الدُعاءُ بَعد الانتهاءِ مِنَ الطَّعامِ عِبادةٌ عظيمةٌ تُذكِّرُ الإنسانَ بِنِعَمِ اللهِ عليهِ، فالمأكلُ والمشربُ مِن أعظمِ النِّعَمِ الَّتي أنعَمَ بها اللهُ على عبادهِ وقد تكرَّرَ ذِكرُ هذهِ النِّعمةِ في القرآنِ الكريمِ فهي مِن الركائزِ الأساسيَّةِ الَّتي لا يَستطيعُ الإنسانُ الاستغناءَ عنها فَبِدونِها يَصعُبُ عليهِ العَيشُ وأداءُ مَهامهِ اليوميَّةِ لأنَّ الغِذاءَ هو مصدرُ الطَّاقةِ الرَّئيسيُّ الَّذي يَحتاجُه الجِسمُ للحفاظِ على نشاطِهِ ولتمكينهِ مِن أداءِ كافَّةِ الأعمالِ والمسوؤليَّاتِ المُوكلةِ إليهِ.
فمِن الضَّروريِّ إدراكُ قيمةِ هذهِ النِّعمةِ وحُسنُ تقديرِها لأنَّ زوالَها قد يكونُ ابتلاءً شاقًّا والدُّعاءُ بَعد الأكلِ يُعبِّرُ عن الشُّكرِ والامتنانِ للهِ على الرِّزقِ الَّذي أنعَمَ بهِ علينا وهو مِنَ السُّنَنِ الَّتي أوصَى بها النَّبيُّ مُحمَّدٌ ﷺ فَيُستحبُّ للمُسلمِ أن يَحمدَ اللهَ بَعد فراغهِ مِنَ الطَّعامِ فذلكَ يَعزِّزُ بَرَكةَ الطَّعامِ ويَزيدُ مِن فضلِ النِّعمةِ الَّتي رُزِقَ بها.
الدعاء المأثور قبل تناول الطعام وبعد الفراغ منه
الدعاء قبل تناول الطعام:
يُسنّ للمسلم أن يذكر اسم الله قبل البدء في الطعام فيقول “بسم الله الرحمن الرحيم”، فتسمية الله قبل الأكل تحفظ الطعام من مشاركة الشيطان وتمنح البركة لما يُؤكل.
الدعاء بعد الانتهاء من الطعام:
- “الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة”، فكل النعم التي ينعم بها الإنسان مصدرها فضل الله عز وجل، وهذا الدعاء يعكس الشكر والامتنان لله على رزقه.
- “الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين”، فمن أعظم النعم التي يمنّ الله بها على عباده بعد الطعام والشراب هي نعمة الإسلام، وهذا الدعاء يجمع بين شكر الله على الرزق وشكره على نعمة الهداية.
الدعاء المستحب عند الانتهاء من تناول الطعام
- جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا فرغ من طعامه يقول: (الحمدُ للهِ كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه غيرَ مكفيٍّ ولا مودَّعٍ ولا مُستغنًى عنه ربنا) وفي رواية أخرى: (الحمدُ للهِ الذي كفانا وأَورَانا غيرَ مكفيٍّ ولا مكفورٍ) مما يدل على التأكيد على شكر الله بعد الأكل والاعتراف بنعمه التي لا غنى عنها.
- بيّن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أنس رضي الله عنه أن الله يفرح بعبده عندما يحمده على الطعام أو الشراب فقال: (إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمده عليها) وهذا يبرز أهمية الذكر بعد تناول الطعام وفضل شكر الله حتى في الأمور اليومية.
- في حديث معاذ بن أنس رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أكل طعامًا فقال: الحمدُ للهِ الذي أطعَمَنِي هذا ورَزَقَنِيهِ من غيرِ حَولٍ مني ولا قُوَّةٍ غُفِرَ لهُ ما تقدمَ من ذنبِهِ) وهذا الحديث فيه إشارة إلى فضل الدعاء بعد الأكل والاعتراف بأن الرزق بيد الله وحده.
- رُوي عن رجل كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم لمدة ثماني سنوات أنه كان يسمعه إذا بدأ الطعام يقول: (بسم الله) وإذا انتهى منه يقول: (اللهم أطعمت وسقيت وأغنيت وأقنيت وهديت وأحسنت، فلك الحمد على ما أعطيت) مما يدل على استحباب افتتاح الطعام باسم الله وإنهائه بحمده ودعائه.
- جاء عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أطعمه الله طعامًا فليقل: اللهم بارك لنا وأطعمنا خيرًا منه، ومن سقاه الله لبنًا فليقل: اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه، فإنه ليس شيء يجزئ عن الطعام والشراب إلا اللبن) وفي ذلك إشارة إلى أن اللبن غذاء متكامل والدعاء بالبركة وزيادته عند شربه مستحب.
- أورد عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا شرب من الإناء يتنفس ثلاثًا وكان بعد كل نفس يحمد الله وفي ختام شربه يشكر الله على النعمة وهذا يدل على حرص النبي على اتباع الآداب المستحبة في الشرب والتأكيد على ضرورة استمرار الحمد لله في كل وقت.
الضوابط والآداب المتعلقة بالطعام والشراب
من الضوابط والآداب التي يجب مراعاتها عند تناول الطعام والشراب تلك التي تجعل الإنسان يبدو في صورة لائقة وتعكس حسن السلوك والاحترام لمن حوله فمن خلال اتباع هذه الآداب يظهر الشخص بمظهر راقٍ ويجنب نفسه الوقوع في مواقف غير لائقة.
تمثل آداب الطعام والشراب مجموعة من القواعد التي تعبر عن الذوق العام والسلوك الحسن أثناء تناول الطعام وهي مؤشر على التحضر والوعي الاجتماعي ويمكن توضيحها على النحو التالي:
قبل تناول الطعام:
- غسل اليدين، فمن المهم التأكد من نظافة اليدين قبل البدء في تناول الطعام لأن الأيدي تلامس العديد من الأسطح المختلفة التي قد تكون ملوثة مما قد يؤدي إلى انتقال الجراثيم إلى الطعام.
- التسمية، وهي من السنن التي حث عليها الرسول ﷺ حيث يُستحب أن يقول الشخص “بسم الله الرحمن الرحيم” قبل البدء في الأكل لما فيها من بركة وحفظ للإنسان.
- يُفضل الأكل مع الجماعة وعدم تناول الطعام منفردًا لأن الاجتماع على الطعام فيه بركة وهو من الأمور المستحبة التي تعزز الروابط بين الأفراد.
- الدعاء قبل الأكل بقول “(اللهم بارك لنا فيه وأطعِمْنا خيرًا منه).” فهذا من الأدعية التي يُستحب أن يقولها الإنسان استحضارًا لشكر الله على النعمة.
- إذا كنت مدعوًا على الطعام فمن الأفضل انتظار المضيف ليبدأ بالأكل أولًا فهذا يعكس الذوق واللباقة ويتيح التأكد من مناسبة الطعام للجميع دون إحراج المضيف بأي استفسارات غير ضرورية.
أثناء تناول الطعام:
- يُستحب الأكل باليد اليمنى اتباعًا لتوصية النبي ﷺ.
- يُفضل تناول الطعام مما يليه الشخص دون مد يده إلى الأطباق التي أمام الآخرين لأن ذلك من حسن الأدب واحترامًا لمن يشاركونه المائدة.
- بعد الانتهاء من تناول الطعام يجب غسل اليدين مباشرة لأن بقايا الطعام قد تسبب روائح غير مستحبة أو تسهم في انتقال الجراثيم.
- المضمضة بعد الأكل تساعد على إزالة بقايا الطعام من الفم مما يقلل من احتمالية تراكم البكتيريا التي قد تؤدي إلى تسوس الأسنان أو ظهور روائح غير مستحبة.
- الجلوس أثناء تناول الطعام يجب أن يكون بوضعية مريحة وبطريقة معتدلة لأن ذلك يساعد في الهضم ويمنع الشعور بعدم الارتياح.
- من غير اللائق التحدث أثناء تناول الطعام عن أمور قد تفسد شهية الآخرين مثل الحوادث أو الموضوعات التي قد تسبب الاشمئزاز.
- البصق أثناء الطعام غير مقبول إلا في الحالات الضرورية وبطريقة غير مزعجة للآخرين.
الإرشادات العامة لتناول الطعام بأدب
بعد الانتهاء من تناول الطعام هناك مجموعة من السلوكيات الراقية التي تعكس حسن الأدب وتعزز الأجواء المريحة على المائدة، ومن المستحب الالتزام بها لضمان احترام الذوق العام والمحافظة على التقاليد الاجتماعية، ومنها:
- يُفضل تجنب انتقاد الطعام أو التعبير عن عدم استساغته، فالنبي ﷺ لم يكن يذم طعامًا قط، إن أحبه أكله وإن لم يعجبه سَكَت.
- يحرم تناول الطعام في أواني الذهب أو الفضة، فذلك غير جائز شرعًا.
- الاعتدال في الأكل أمر مهم، فلا يكون الإفراط سببًا في الشعور بالثقل والانزعاج، بل يكفي تناول مقدار مناسب يمنح الجسم الطاقة دون التسبب في إرهاقه.
- من المستحب بعد الفراغ من الطعام أن يحمد الإنسان الله، شكرًا له على النعمة التي أنعم بها عليه.
- يُفضل عدم إصدار أصوات أثناء المضغ، فذلك قد يكون مزعجًا لمن يجلسون على نفس المائدة.
- يُستحسن عدم خلط أنواع متعددة من الطعام في طبق واحد بطريقة غير مرتبة، حتى لا تختلط النكهات ويضيع التمييز بين كل صنف.
- يُفضل تقطيع الطعام إلى قطع مناسبة قبل تناوله، لتسهيل عملية المضغ وجعل الأكل أكثر راحة دون مواجهة صعوبة في تناوله.
- من غير اللائق ترك بقايا كبيرة من الطعام في الطبق بعد الانتهاء، فهذا قد يُعبر عن عدم تقدير النعمة.
- إذا كان مذاق الطعام غير ملائم لشخص ما، فمن الأفضل تجنب التعليق عليه بأسلوب لافت للنظر، حتى لا يُسبب إحراجًا لمن قدمه.
- من غير المستحب استخدام أعواد الأسنان أثناء الجلوس على المائدة وأمام الآخرين، فمن الأفضل الانتظار حتى بعد الانتهاء من الطعام واستخدامها بعيدًا عن الحضور.
- إذا كان هناك طبق بعيد عن متناول اليد، فمن الأفضل طلبه بأدب من الشخص الأقرب إليه بدلًا من مدّ اليد أو الانحناء للوصول إليه مباشرة.