الدعاء يُعد من أعظم وسائل التواصل الروحي التي تقرّب العبد من ربه عز وجل فهو الصلة القوية التي تربط الإنسان بخالقه والمتنفس الذي يلجأ إليه المؤمن طالبًا رحمته وعنايته، كَما أن الدعاء يمثل باباً عظيماً من أبواب الخير التي لا تنفد، فهو الوسيلة التي تُجلب بها البركات في الدنيا والآخرة، ويُدفع بها البلاء والشرور، كما أن الدعاء يُعد تعبيراً صادقاً عن حاجة الإنسان الدائمة لله سبحانه وتعالى فالعبد يلجأ إليه طالبًا عفوه وفضله ومعونته لتحقيق السكينة والرضا ويطلب منه التوفيق والبركة في كل أمر.
- اللّهُمَ إنّي أتوجّه إليك وأنت العالم بما أريده وأحتاج إليه، أشكو ضعف حيلتي ووهن قوتي وهواني على خلقك، يا أرحم الرّاحمين وصاحب الرحمة التي وسعت كل شيء أنت عوني وسندي في وقت الشدّة، أتوسل إليك أن لا تتركني وحدي فأصبح فريسةً لحقد الحاقدين أو يتسلط عليّ من لا يخافك، وإن كنتَ غير ساخطٍ عليّ فلا يهمني ما فاتني. أرجو منك حفظك ورحمتك التي بها أجد الراحة والأمان، أضيء حياتي بنور وجهك الكريم الذي أنار له الظلام وزالت به الحيرة والمشاكل. سبحانك لك الحمد والشكر على كل عطاياك، أنت القوي وأنا عبدك الفقير، ولا حول ولا قوة إلا بك يا صاحب الجلال والإكرام.
- يا رَبّ كن عوني ومددني بمعين قوتك ورحمتك، احمني من كل ضررٍ أو مكيدة قد تُنسج ضدي، ووفقني لأن أكون نصير الحق، يا ربّ اجعل قلبي عامرًا بذكرك ولا تحرمني من لذة الطاعة وقوة الإيمان، واجعلني دائمًا متواضعًا أمام عظمتك وملاذًا للخير والصلاح. ربّي تقبل مني توبتي وأكرمني بسترك وعفوك، ارشدني إلى ما يُرضيك وزيّن لساني بصدق القول واغمر قلبي بالسكينة والطمأنينة وامحِ كل همّ وضيق يخنقني.
- اللهم اغفر لي كل خطاياي التي أدركتها والتي جهلت بها، تجاوز عن أخطائي وزلاتي وكل ما افْتَرَطت فيه بجهلي أو عن عمد، أنت الأعلم بحالي وبضعفي. أسألك يا الله أن ترحم ضعفي وتبدل عثراتي إلى تيسير، اغفر لي كل ما قدمت أو أخرت وكل ما أخفيته أو أعلنته فأنت المطّلع على ما في الصدور وأنت الرحيم الحليم، دبر لي أموري وكن معي فأنا بدون عونك لا شيء يُرجى ولا قوّة تُدرك، أعتمد عليك وحدك يا قادراً على كل أمر.
أدعية النبي محمد
- اللهم إني أسألك أن تكفيني شر العجز والكسل وأن تعصمني من الجبن والبخل وتمنحني العافية من الهرم وعذاب القبر اللهم طهر نفسي وزكّها وألهمها التقوى فأنت خير من زكى الروح وأنت مالك أمرها ووليها أسألك اللهم أن تحفظني من علم لا نفع فيه ومن قلب بعيد لا يخشع ومن نفس لا تَشبع ومن دعاء لا يُجاب.
- اللهم اجعل في قلبي نورًا وفي كلامي وبركة وفي سمعي سكينة ونورًا وفي بصري بصيرة وأحط حياتي بأكملها بالنور من فوقي ومن تحتي ومن يميني وشمالي واجعل النور يعممني من أمامي وخلفي اللهم اكفني واشمل حياتي بنورك المتصل وزدني هداية ونورًا ونورًا مجتمعًا متكاملًا.
- اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي وأكرمني بالصلاح والمعافاة في مسيرتي وأغني حياتي بالخيرات واغمرها بالنعم واجعل وفاتي تخفيفًا ورحمة من كل ألم وشقاء من الدنيا وارزقني حسن الخاتمة.
فَــ الدعاء يُعتبر من أقرب وأعظم العبادات التي تجسد علاقة المسلم بربه وهو وسيلة لطلب الرحمة والمغفرة والتقرب إلى الله عز وجل في كل لحظة وفي أي مكان ويستلزم فيه الإخلاص والتوجه لله بثقة ويقين تام بأن الله يسمع عباده ويستجيب لهم ولا يرد من دعاه متى ما صدق النية وتوجه إليه بصدق وإيمان.
الله سبحانه وتعالى أكد لنا في كتابه العزيز أهمية الدعاء والاستجابة لعباده كما جاء في قوله تعالى في سورة غافر الآية 60 وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ حيث جعل الدعاء هو مفتاح رحمته وفضله وأشار في سورة البقرة الآية 185 إلى قربه الشديد من عباده بقوله تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ.
فَـ من هنا ندرك أن الدعاء عبادة عظيمة أوجبها الله الكريم على عباده ورفع أهميتها وحث الجميع عليها في كل الأوقات والمواقف وغاية ما يمكن للمسلم الدعاء به هو اقتباس وتكرار الأدعية النبوية المأثورة التي أهداها إلينا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم والتي نقلها لنا الصحابة الكرام رضوان الله عليهم في السنن الصحيحة لنجعلها موثوقًا بها في تقربنا إلى الله سبحانه وتعالى.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ وهذا الدعاء مذكور في صحيح الإمام البخاري ما يعزز الثقة في الاهتمام به ضمن دعائنا.
كما ورد في صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاء عظيم يقول فيه: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ الهُدَى وَالتُّقَى، وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى بما يعكس أعلى مستويات المعاني القلبية والقيم التي ينبغي الحرص عليها في الدعاء.
صفات النبي صلى الله عليه وسلم
فَمن المهم تسليط الضوء على صفات النبي الكريم الذي لم يشهد التاريخ شخصية أكثر كمالًا وخلُقًا من نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم. فقد كانت أخلاقه الرفيعة وإنسانيته العالية سببًا في تعلق القلوب به وحب الناس له، صلوات ربي وسلامه عليه.
تميز الرسول صلى الله عليه وسلم بحبه واحترامه من الجميع ولم يكن هذا إلا نتيجة لرفعة قدره الذي منحه الله له، إذ جعله قدوة لكل من عرفه وسمع عنه، وقد بلغ اسمه الشريف “محمد” مكانة عظيمة كونه الاسم الأكثر تداولًا في العالم، وهذا يعكس عظمة تأثيره وانتشار ذكره في جميع الأزمنة والأمكنة.
وفيما يلي أبرز الصفات التي تحلى بها الرسول عليه الصلاة والسلام:
- كان أصدق الناس قولًا وفعلاً فلم يعرف الكذب يومًا وكان مثالًا عمليًا للصدق حتى لقب بالصادق الأمين وهي صفة أظهرها منذ نعومة أظفاره ما جعل هذا اللقب يلتصق به من قبل الجميع.
- تحلى بأمانة عظيمة جعلت الناس يضعون أثمن ممتلكاتهم بين يديه دون خوف أو تردد فقد كان محل ثقة عالية بين قومه ولم يكن يخون أو يخذل أحدًا أبدًا.
- اشتهر بشجاعته التي وصلت إلى أعلى الدرجات إذ كان دائم الحضور في مقدمة الجيش خلال المعارك يقود أصحابه بجرأة وإقدام مما جعله قدوة ومصدر إلهام لهم وجعل أعداءه يهابونه بقوة.
- عُرف بإنسانيته العظيمة التي لم تفرق بين غَني أو فقير، حر أو عبد، فقد كان عطوفًا رحيمًا يهتم بشؤون الجميع ويظهر رأفته في كل تصرفاته.
- تجلّى صبره في مواجهة الابتلاءات سواء في أذى قريش وتعذيبهم له عند دعوته للإسلام أو في فقده لأعز الأشخاص على قلبه من أبنائه، ليصبح بذلك نموذجًا للثبات والتحمل في سبيل الحق.
- تحلى بالعفو والصفح حتى مع أشد أعدائه، فكان يغفر ويتسامح دون أن يحمل في قلبه ضغينة لأحد، مما يدل على نبل قلبه ورحمته اللامتناهية.
- كان دائمًا مُقبلًا على الناس بابتسامة مشرقة تعكس طيبة قلبه وروحه الصافية، حتى في أصعب الظروف كان لا يفارق الابتسام محياه.
- ظهر احترامه ودعمه للجميع، خاصة أسرته وأهل بيته، فلم يكن يتوانى عن مد يد العون لهم والوقوف إلى جانبهم في كافة المواقف.
- لم تفارقه العبادة يومًا فقد كان دائم الذكر لله سبحانه وتعالى، يؤدي صلواته ويكثر من الدعاء والخشوع، وحرص على أن يكون قريبًا من ربه في كل أوقاته.
أدعية النبي محمد في شهر رمضان
النبيُّ محمّدُ صلّى اللهُ عليه وسلّم كانَ يضاعفُ اجتهادهُ ويُفرغ وقتَه للطاعاتِ والعباداتِ بشكلٍ مكثّفٍ خلالَ العشرِ الأواخرِ من رمضان ويفعلُ ذلكَ للاعتكافِ والتقرّبِ من اللهِ، وقد أُثِرَ هذا عن السيدةِ عائشةَ رضيَ اللهُ عنها حينَ قالت: كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأوَاخِرَ مِن رَمَضَانَ.
ومن هذا الحديث الشريف نتبيّن بوضوح مدى أهمية هذه الأيام الجليلة من الشهر الفضيل والتي خصّها الرسول بالأعمال التي تُقوّي العلاقة الإيمانية والروحانية بين العبد وربّه، مما يفتح المجال للمسلمين أن يتبعوا خُطى الحبيب المصطفى صلّى الله عليه وسلّم في استثمار هذه الليالي المباركة بالدعاء والصلاة والتهجد والقيام. في هذا السياق نُقدّمُ مجموعةً من الأدعية المأثورة عنه صلّى الله عليه وسلّم، والتي تُعدّ محطةً إيمانية تُبرزُ قوة العلاقة بين المسلم وخالقِه، خاصةً خلال أوقات الخشوع والقيام:
- اللّهُمّ صلِّ وسلّم وزدْ وبارك على نبينا محمد في الأولين وصلّ وسلم وزد وبارك عليه في الآخرين وصلّ اللهم عليه في كل وقت وحين وعلى آل بيته وأصحابه وكل من تبع سنته بإحسان إلى يوم الدين.
- اللّهُمّ اهدنا فيمن هديت وتولّنا فيمن تولّيت وبارك لنا فيما أعطيت وقِنا واصرف عنا برحمتك شرّ ما قضيت إنك سبحانك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك.
- إنك سبحانه لا يُعَز من عاديت ولا يُذل من واليت تباركت وتعاليت يا كريم.
- اللّهُمّ أصلِح لي ديني الذي هو عصمة أمري وأصلِح لي دنيايَ التي فيها معاشي وأصلِح لي آخرتي التي إليها معادي واجعل الحياة زيادةً لي في كل خيرْ واجعل الموت راحةً لي من كل شرّ (رواه النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه).
- اللّهُمّ اعتِق رقابنا ورقاب آبائنا وأمهاتنا من النّار وبلّغنا رحمتك في هذا الشهر المبارك اللّهُمّ اكتبنا في عتقائك من النار في هذه الأيام.
- اللّهُمّ اختم لنا هذه الأدعية بقول آمين يا رب العالمين وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن سار على هديه إلى يوم الدين.
أدعية مأثورة عن النبي الكريم
الأدعية التي وَردت عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- شَمِلت جوانب متعددة من الحياة ولم تُغفل أي جانب يمكن أن يحتاج الإنسان فيه إلى التوجه إلى الله بالدعاء والذكر، فَـ رسولنا الكريم -عليه أفضل الصلاة والتسليم- اهتم اهتمامًا بالغًا بأن يترك لنا إرثًا غنيًا من الأدعية التي تُعيننا في كل الظروف والتحديات التي قد نواجهها في حياتنا اليومية، فأرشدنا إلى أدعية تشمل جميع النواحي الحياتية بنظرة إيمانية شاملة ملهمة تحثنا على الاقتراب من الخالق سبحانه وتعالى وطلب فضله ورحمته في كل وقت وحين.
الأدعية المأثورة عنه صلى الله عليه وسلم لم تكن مخصصة للمواقف الاستثنائية فقط، بل احتوت تفاصيل دقيقة تلبي احتياجات المؤمنين اليومية وتفتح لهم الأبواب لرحمة الله والخير باللجوء إليه خاشعين داعين وذاكرين مما يجعلها ركيزة روحانية في حياة المسلم.
- اللهمَّ إنك عفوٌ تحبُّ العفوَ فاعفُ عني يُجسد هذا الدعاء أمل المؤمن في عفو الله، وهو تعبير عن الرجاء الصادق في الحصول على مغفرته التي تعلو كل شيء.
- سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي يبرز هذا الدعاء عظمة التنزيه لله تعالى مقترنًا برغبة المؤمن في التوبة وطلب الصفح بمشاعر خاشعة تمس القلب.
- اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ذَنْبِي كُلَّهُ دِقَّهُ وجِلَّهُ وأَوَّلَهُ وآخِرَهُ وعَلانِيَتَهُ وسِرَّه يظهر هذا الدعاء مدى حرص الرسول -عليه الصلاة والسلام- على تعليمنا الاستغفار الشامل والتوبة النصوح عن الذنوب مهما كانت صغيرة أو كبيرة، سواء العلنية أم الخفية.
- اللّهم مَتِّعني بسمعي وبصري واجعلهما الوارث مِني وأنصرني على من يَظلمني وخذ منه بثأري يُبرز هذا الدعاء طلب الحفظ والاستمرار للنعم والعمل على استثمارها بما يُرضي الله وطلب النصرة والعدل في مواجهة الظلم باستعانة المؤمن بالله تعالى في رد الحقوق.
- اللّهمّ فارج الهم كاشف الغم مُذهب الحزن اكشف اللّهمّ عنّا همّنا وغمّنا وأذهب عنّا حزننا يُعتبر من أعظم الأدعية التي تهدئ قلوب المهمومين وتعيد الاطمئنان للنفس بتوجه كامل إلى الله لطلب الفرج وإزالة الكرب.
- لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلّا الله رب العرش العظيم لا إله إلّا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم متفق عليه يجمع هذا الدعاء بين تعظيم الله عز وجل وتوكيد التوحيد بذكر صفاته العظيمة التي تزيد المسلم يقينًا في قدرته ورحمته التي تُزيل المشقات والهموم من صدر الإنسان المؤمن.
دعاء مأثور عن النبي
وايضا كان النبي محمد -صلّى الله عليه وسلّم- دائم الدعاء لنفسه ولغيره سواء كانوا أحياءً أو أمواتًا ما يعكس رحمته العظيمة بأمته وحرصه على الخير لهم وذلك لأن الدعاء يُعد من أعظم العبادات التي تُظهر تعلق العبد بخالقه وإقراره التام بقضاء الله وقدره، وهو تعبير صادق عن افتقار الإنسان إلى الله واعتماده الكلي عليه، حيث يدرك أن كل أمرٍ في حياته مرهون بمشيئة الله سبحانه وتعالى.
- اللّهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت، وفي هذا الدعاء تظهر حاجة النبي الملحّة لله في كل لحظة، حيث يعترف بعجزه الكامل ويطلب من الله أن يصلح له كل أموره وأن يعينه على كل ما يمر به في حياته.
- اللّهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع ودعاء لا يُسمع ومن نفس لا تشبع ومن علمٍ لا ينفع وأعوذ بك من هذه الأربع، وفيه حرص النبي على حماية أمته من الآفات التي تبعدهم عن الله، حيث يُبيّن أهمية خشوع القلوب واستجابة الدعاء ويُوجه للتحذير من العلم الذي لا يعود بالنفع والنفس التي تتشبث بالدنيا وتُلهي العبد عن طاعة ربه.
- اللّهم اغفر لي ذنبي ووسع لي في داري وبارك لي في رزقي، وهو دعاء يحمل معنى الشمولية، حيث طلب النبي فيه المغفرة عن الذنوب مع سعة البيت وبركة الرزق، ويُشير بذلك إلى نعم الدنيا التي تُفرّح الإنسان وتعينه على الاستقرار والطاعة لله، مع ربط هذه النعم بتحقيق الخير في الدنيا والآخرة.
- اللّهم إني أعوذ بك من يوم السوء ومن ليلة السوء ومن ساعة السوء ومن صاحب السوء ومن جار السوء في دار المقامة، ومن خلال هذا الدعاء يتجلى وعي النبي بخطورة الأذى المحيط بالإنسان سواء كان ذلك في أوقات معينة أو من خلال الأشخاص المحيطين به الذين قد يكون لهم تأثير سلبي على حياته واستقراره.
- اللّهم قني شر نفسي واعزم لي على أرشد أمري اللّهم اغفر لي ما أسررت وما أعلنت وما أخطأت وما عمدت وما علمت وما جهلت، وفي هذا الدعاء يُبرز النبي أهمية أن يكون الإنسان واعيًا بذنوبه، سواء كانت ظاهرة أو خفية، وأن يطلب العفو والمغفرة عن كل خطأ ارتكبه بإرادته أو دونها، مما يُظهر حرص العبد على التخلص من كل ما يثقل كاهله أمام الله ويُطهر سريرته ونواياه.
أدعية النبي لتفريج الكرب
دعاء فك الكرب واحد من الأدعية المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم والتي تُروى لتخفيف الهموم والشدائد ولكن من الجدير بالذكر أن هذا الدعاء قد تم تصنيفه على أنه ضعيف من قِبَل عدد من العلماء المختصين في علم الحديث، ومن بينهم الشيخ والإمام الألباني الذي تناول هذا الدعاء ضمن دراساته الحديثية ووضح تضعيفه له في مجموعة من كتبه من أبرزها كتاب ضعيف الجامع وأيضًا كتاب فقه السيرة الذي يركز على دراسة صحة الروايات وسندها.
الرواية الأولى لكتاب “فقه السيرة”
تم ذكر هذه الرواية عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وقد ضعَّفها الإمام الألباني في كتابه “ضعيف الجامع”:
الرواية الثانية لكتاب “فقه السيرة”
تُعدُّ رواية محمد بن كعب القرظي واحدةً من الروايات المهمة التي وردت في كتاب “فقه السيرة” الذي ألَّفه الشيخ الإمام الألباني وقد ذُكرت الرواية بالتفصيل كما يلي:
وفيما يتعلقُ باستخدام الحديث الضعيف سواء في الأحكام الشرعية أو العقائد فإنَّ الموقف منها في هذا الشأن واضح وصريح حيث لا يُؤخذ بها عند الاستدلال على الأحكام التشريعية أو الأمور العقائدية لما في ذلك من خطورة على صحة الأدلَّة، وأما إذا كان الأمر متعلِّقًا بالفضائل والأعمال الصالحة فإنه يُسمح بالعمل به ولكن فقط إذا توفرت ثلاثة شروط أساسية يجب أن تكون موجودة ومحققة وهي:
- أن لا يكون ضعف الحديث شديدًا بحيث يخلو من الانقطاع الكبير في سنده أو من وجود ضعف حاد في رواة الحديث المذكور.
- يجب أن ينسجم مضمون الحديث تحت إطار أصل شرعي معمول به في الدين الإسلامي وألا يتعارض مع الشريعة ولا يتضمن أمورًا مستجدة أو مخالفة لأحكام الدين.
- ومن الضروري أن يتحرى الشخص الذي يعمل بالحديث عدم الاعتقاد الجازم بثبوته بل ينوي العمل به من منطلق الاحتياط والطمع في تحقيق الأجر والثواب.
من أدعية النبي لصرف شرور الدنيا والآخرة
كان رَسُولُ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم أحد البشر الذين شهد القرآن الكريم بطبيعتهم البشرية وخصوصيتهم في الاصطفاء بالوحي كما جاء في قوله تعالى:
رَسُولُ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم كان يخشى شرور الدنيا والآخرة ويتوجه دائمًا إلى الله سبحانه وتعالى بدعاء مستمر ومخلص ليحميه ويعلم أمته أهمية اللجوء إلى الله ويزرع في قلبهم معاني الإيمان والتوكل عليه، ومن بين الأدعية التي وردت عن النبي صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم وأرشَدنا بها:
- وذكر الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه في الحديث الشريف الذي رواه عن النبي صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم قائلاً: “كانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَتَعَوَّذُ مِن جَهْدِ البَلَاءِ، ودَرَكِ الشَّقَاءِ، وسُوءِ القَضَاءِ، وشَمَاتَةِ الأعْدَاءِ“، وهو حديث صحيح أخرجه الإمام البخاري، حيث يلخص لنا هذا الدعاء كيفية استعاذة النبي من الشرور والمصائب التي قد تُوجِع القلوب وتضر بالدنيا أو الدين، كما يظهر فيه رجاءه لله أن يُبعد عنه وعن أمته مصاعب الحياة وشدائدها المؤلمة.
- ورد عن الصحابي الفاضل زيد بن أرقم رضي الله عنه أنه نقل عن النبي صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم قوله: “اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بكَ مِنَ العَجْزِ، وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ، وَالْبُخْلِ، وَالْهَرَمِ، وَعَذَابِ القَبْرِ. اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَن زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا. اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بكَ مِن عِلْمٍ لا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لا يُسْتَجَابُ لَهَا“، وهذا الحديث الصحيح أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، ففي هذا الدعاء تتجلى عظمة الرسول صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم في تعليمه لنا ضرورة التوجه لله بكل صدق واستعاذته من كل ما يمكن أن يُثقِل النفس أو يدنس الروح، فنجده يُعلِّمنا طلب تقوى النفس وتنقيتها لتكون أهلاً لرضا الله وفضله، مستعيذًا من أُمور تعيق تحقق هذا مثل الكسل والبخل وعذاب القبر فضلاً عن خلو القلوب من الخشية التي تُعد من صفات التائبين والمطلوبين عند الله.
ومن أجمل ما ورد من أدعية تُظهر قوة استسلام النبي صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم لله وتفويضه الكامل، ما قاله سيدنا الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرَّم الله وجهه في حديث صحيح عن النبي، إذ كان النبي صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم يقول في دعاء الوتر: “اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ برضاكَ من سخَطِك وبمعافاتِكَ من عُقوبتِكَ، وأعوذُ بِك منكَ، لا أُحصي ثناءً عليكَ أنتَ كما أثنيتَ على نفسِكَ“، والحديث رواه الإمام ابن حجر العسقلاني بثبوت صحته، حيث يعكس هذا الدعاء مدى ثقة النبي بمكانة الله وعدله ورحمته ويُبرز معاني الرضا الكامل والتسليم المطلق لأمر الله مع إقرار النبي بعجزه عن مجاراة حمد الله وثنائه على ذاته بما هو أهل له.
دعاء النبي للاستعاذة من المسيح الدجال
الدعاء الذي علمنا إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم للاستعاذة من المسيح الدجال يُعد من الأدعية المهمة التي تحفظ المسلم من أعظم الفتن التي سيواجهها البشر على مر الأزمنة والدهور. فتنة المسيح الدجال تمثل واحدة من العلامات الكبرى لقيام الساعة التي أشار إليها الإسلام مؤكدًا وقوعها من خلال النصوص الواردة والصحيحة، فَـ النبي صلى الله عليه وسلم كان حريصًا أن يُعلم أمته هذا الدعاء نظرًا لخطورة هذه الفتنة وضررها العميم الذي قد يُؤثر على إيمان الإنسان، فقد ورد في الحديث الشريف عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
- عندما يجلس المسلم للتشهد في صلاته يُشرع له أن يجعل من دعائه استعاذة بالله تعالى من أربعة أمور مهمة فيقول: “اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِن عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ“. هذا الدعاء الشريف ورد في صحيح مسلم برواية الإمام مسلم الراوي: أبو هريرة | المحدث: مسلم | المصدر: صحيح مسلم | الصفحة أو الرقم: 588 | خلاصة حكم المحدث: [صحيح].
ولو تأملنا أكثر في هذا الموضوع نجد أن المسيح الدجال حقًا يمثل أعظم فتنة ستظهر على الأرض كما بيّن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد جاء عنه قوله: “ما من خَلقِ آدمَ إلى قيامِ السَّاعةِ فتنةٌ أعظمُ منَ فتنةِ المسيحِ الدَّجَّالِ”، و هذا الحديث يوضح بجلاء مدى عِظم هذه الفتنة وحجم الابتلاء المرتبط بها. كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم صفات الدجال بشكل دقيق وشامل حيث جاء في الحديث الشريف وصفه بأنه شخص شعره جعد ويُعرف بالشعر “قطِط”، وقصير القامة، وعينه اليمنى عوراء، وقد نوّه النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً: “إنَّ اللَّهَ ليسَ بأَعْوَرَ، ألَا إنَّ المَسِيحَ الدَّجَّالَ أعْوَرُ العَيْنِ اليُمْنَى”، فهذه الصفات الواضحة تمثل علامة فارقة في التعرف على شخص الدجال وتجنب الوقوع في فتنته.
وقد أشار النبي عليه الصلاة والسلام إلى أن جميع الأنبياء والرسل الذين سبقوه قد حذروا أممهم من خطر المسيح الدجال، مما يدل دلالة قاطعة على ضخامة هذا الابتلاء وحتمية ظهوره. الاهتمام بالدعاء الذي علمنا إياه النبي صلى الله عليه وسلم ضرورة عظيمة لكل مسلم يتطلع للوقاية من شر هذه الفتنة المؤلمة بإذن الله تعالى، وما هذا إلا جزء من حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على تعليم الأمة كيفية الاستعداد لكل ما قد يعترضها من فتن وابتلاءات تمس العقيدة والإيمان.
بالإضافة إلى الدعاء الذي ورد عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم جاءت التوجيهات النبوية بحفظ أول عشر آيات من سورة الكهف امتثالًا لتحصين النفس من فتنة الدجال، وتبدأ هذه الآيات بقول الله سبحانه وتعالى: “الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا ۜ” وصولًا إلى قوله:
- “إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا” وفي روايات أخرى ورد التنويه إلى أهمية حفظ خواتيم سورة الكهف أو العشر الأخيرة منها لما فيها من فضل وحصانة من الدجال. والآيات الكريمة تمثل بذلك وسيلة أخرى من وسائل الحماية التي نصحنا بها النبي صلى الله عليه وسلم لتعزيز الإيمان والتصدي للفتن بأمر الله.
دعاء النبي لثبات القلب على دين الإسلام
النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو المعلم الأول للإنسانية والقدوة الحسنة في أقواله وأفعاله حيث علم أتباعه من خلال سنته المطهرة وأحاديثه الشريفة أساسيات الدين وسبل التقرب إلى الله عز وجل، وكان من أبرز ما اشتملت عليه هدايته الكريمة أهمية الدعاء والتضرع إلى الله تعالى لنيل الثبات على الدين والتقوى ليبقى المسلم على الاستقامة والإخلاص في عبوديته.
- ورد عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أنها لاحظت كثرة تكرار رسول الله صلى الله عليه وسلم لدعاء يا مُقَلِّبَ القُلوبِ ثَبِّتْ قَلْبي على دِينِكَ وطاعَتِكَ فاستفسرت منه عن ذلك قائلة: يا رسول الله، لمَ تُكثر من قول هذا الدعاء؟ فأجابها النبي صلى الله عليه وسلم بكل تواضع وتقدير لعظمة الله: وما يُؤَمِّنِّي؟ إنَّ قلوبَ العبادِ بَينَ إصبعَيِ الرحمنِ يُقلِّبُها كيف يشاء حيث يُظهر هذا الحديث الشريف مدى خشية رسول الله صلى الله عليه وسلم من تقلب القلوب وحرصه على الاستعانة بالله للديمومة على الهداية.
فَمن خلال هذا الحديث الكريم وغيره من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم ندرك قيمة الإلحاح بالدعاء طلبًا للثبات على الإيمان والتمسك بالحق فهو دعاء يفتح أبواب القرب من الله ويرسّخ جذور الطاعة في النفس، ومع ذلك فإن النصوص الواردة تُظهر أن هذا الحديث قد صحَّ بشواهده المتعددة وليس بشكل خاص بالنقل من نفس السند بل من طرق أخرى موثوقة من علماء الحديث الذين يأخذون بالاعتبار المعاني المستقاة والأسانيد الصحيحة التي تتفق مع مضمون الحديث الشريف.
وأما البلاغة والإبداع في هذا الدعاء فتظهر في كلماتٍ قليلة تختصر معاني عظيمة حيث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُعطي جوامع الكلم مما يعني قدرته على التعبير عن الأمور الجليلة بعبارات مختصرة ومؤثرة، فَهذا الدعاء يا مُقَلِّبَ القُلوبِ ثَبِّتْ قَلْبي على دِينَكَ وطاعَتِكَ يتميز بمسحة روحية تدفع المؤمن لتأمل عظمة مضمون الطلب وهو الالتجاء إلى الله لطلب الثبات على الدين والنأي عن الضلال والتوفيق للحق مما يبرز تلقائيًا في وجدان المسلم ضرورة التضرع بيقين لله سبحانه.
دعاء النبي الكريم لطلب الخير
دعاء النبي محمد صلى الله عليه وسلم يُعد من أعظم الوسائل التي يلجأ بها العباد إلى الله سبحانه وتعالى لطلب الخير في الدنيا والآخرة، ومن بين الأدعية الجليلة التي كان يدعو بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ورد عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها في حديث صحيح صححه الإمام الألباني ونصه كما يلي:
فـ عند التأمل في هذا الدعاء الرائع نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلجأ إلى الله سبحانه متوسلًا بأسمائه وصفاته ليسأل الخير بكل أنواعه ظاهرًا كان أو خفيًا وبكل زمانه عاجلًا في الحياة الدنيا أو آجلًا في الآخرة، هذه الكلمات العظيمة تُبرز الشمولية في الدعاء والطمانينة التي يمنحها العبد لنفسه بتسليم كل أموره إلى خالق الكون، الطلب بـ”ما علمت منه وما لم أعلم” يعكس الإيمان الكامل بأن علم الإنسان محدود بينما علم الله شامل وكامل ولذلك يأتي الدعاء بكل جوانب الخير حتى تلك التي قد تخفى على العبد.
أما استعاذته صلى الله عليه وسلم من كل شر عاجلٍ وآجل فإنها تُظهر اليقين بأن المسلم بحاجة دائمة إلى حصانة الله ورعايته من أضرار الدنيا ومخاوف الآخرة وتعبير النبي عن طلب الجنة وما يُقرب إليها من الأعمال يدل على تعلق قلب المؤمن بهدفه الأعظم حيث ارتباط هذا الطلب بالعزم على التقرب بالأعمال الصالحة كما أن استعاذته من النار وما يجلبها للنفس والذات يعطي إشارة واضحة إلى مدى الوعي بخطر عذابها وأثرها القاسي وهو ما تؤكده الآية الكريمة: إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (سورة الفرقان 65).
ولعل أبرز ما يميز هذا الدعاء هو طلب الخير في كل قضاء يقع على المؤمن مما يدل على حالة من الرضا التام بقضاء الله وقدره مع الإصرار على أن يكون هذا القضاء خيرًا للمؤمن في دينه ودنياه. استشعار المسلم لهذا المعنى يجعله يعيش حالة دائمة من الثقة برحمة الله وكرمه، حيث يدعو الله على يقين بأنه مهما كانت الظروف فإنه قادر على أن يجعلها خيرًا له في النهاية. هذه الكلمات تخاطب أعماق إيماننا بأن الخير بيد الله وحده وأن الالتجاء إليه تعالى هو الملاذ الآمن والوعد الحق.
دعاء النبي لطلب النصرة من الله
رسولنا الكريم صلّى الله عليه وسلّم أرشدنا إلى كيفية طلب النصرة والعون من الله عزّ وجل الذي بيده مقاليد كل الأمور ولا يملك أحد غيره القدرة على تحقيق النصر أو دفع الأذى، الدعاء المعروف بدعاء طلب النصرة الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه عبد الله بن عباس وصححه الإمام ابن القيم يعكس لنا كلمات مليئة بالبلاغة والتعبير العميق والذي يتغلغل في القلب ويُظهر لنا أرقى درجات التذلل والخضوع لله عزّ وجل:
فهذا الدعاء يحمل بين كلماته معانٍ عظيمة وتعبيرات سامية تفوق الوصف وقد جاءت من النبي الكريم صلّى الله عليه وسلّم الذي كان أشرف خلق الله وأصدقهم وأبلغهم بيانًا، ما يبرز في الدعاء هو صيغ المبالغة مثل (شَكَّارًا.. ذَكَّارًا) التي تظهر درجة امتنان العبد لله وشكره الدائم واعترافه المطلق بعظمة الخالق واستحقاقه لكل الشكر والذكر في جميع الأوقات، وهذا تجسيد حقيقي لقوله تعالى: ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ﴾ الواردة في سورة إبراهيم الآية 7، مما يجسد وعد الله لعباده الذين يثبتون شكرهم بأنه سيضاعف لهم النعم ويزيدهم من فضله.
أما الكلمات التي قد تبدو غريبة للبعض مثل (واسلُل سخيمةَ قلبي) فهي تحمل دلالة واضحة وعميقة حيث تعني الدعاء لله ليطهر قلب الداعي من أي مشاعر سلبية مثل الحقد والغيرة والبغضاء والتي من شأنها أن تُبعد الإنسان عن الطمأنينة وراحة البال، والكلمة الأخرى (واغسِل حوبَتي) تبرز طلب المغفرة من الله لإزالة الذنوب والآثام التي تثقل النفس وتحول دون الشعور بالنقاء الداخلي، هذا الدعاء يعكس لنا دروسًا مهمة ويحثنا على أن تكون قلوبنا مملوءة بالطهارة وأرواحنا متصلة دائمًا بالله في كل أوقات حياتنا.
حكم استخدام أدعية النبي في الدعاء
تَساءل البعض عن جواز الدُعاء بالأدعية الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الموضوع يُوضّح حُكم هذا النوع من الدعاء استنادًا إلى آراء علماء كبار مثل الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز -رحمه الله- وشيخ الإسلام ابن تيمية، وكلاهما من أبرز المرجعيات في العلم الشرعي.
وأوضح الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز -رحمه الله- أنه لا حرج على المسلم في أن يدعو بدعاء ينطلق من قلبه أو مما يُفتح له به من كلام طيّب سواء كان ذكراً أو دعاءً، وإذا كان الشخص قادراً على استعمال دعاء موروث عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن هذا أمر مستحب ومحمود لكن إذا لم يكن مُلمًا بالأدعية الواردة عن النبي عليه الصلاة والسلام فمن الأجدر أن يرجع إلى الأدعية الموثوقة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم لما تحمله من بركة وخير، فهي تعكس السنة النبوية المُطهّرة وتُخرج الإنسان من دائرة الشك.
وعند الرجوع إلى أقوال الشيخ ابن تيمية أكد على أهمية تعلم الأذكار والدعوات المُستقاة من النبي عليه الصلاة والسلام وأوضح أنها الخيار الأكثر أمانًا لكل من لا يملك الدراية الكافية بكيفية الدعاء أو من يحتفظ بصيغ غير ثابتة شرعًا، مما يجعل الأدعية المأثورة سبيلًا للتقرب من الله تعالى وفق الأصول الشرعية والحفاظ على الدعاء ضمن إطار السنة النبوية إلى جانب أنها تُعلم المسلم الطريقة الصحيحة للتضرع إلى الله بعيدًا عن الابتكار أو الوقوع في المخالفات الشرعية.
أدعية النبي القصيرة
- اللهم إني أعوذ بك من شر نفْسي، ومن شر كلِّ دابَّة أنت آخذٌ بناصيتها، إن ربي على صراط مستقيم.
- اللهم رحمتَك أرجو، فلا تَكِلْني إلى نفسي طَرْفَةَ عين، وأَصلِح لي شَأني كلَّه، لا إله إلا أنت.
- اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك.
- اللّهم أكثر مالي وولدي وبارك لي فيما أعطيتني.
- اللّهم إنّي أسألك العافية في الدنيا والآخرة.
- اللهم ألهمني رشدي، وأعذني من شرِّ نفسي.
- اللّهم إنّي أعوذ بك من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء.
كيفية استجابة الدعاء بشروطه
وعند الحديث عن أدعية النبي صلى الله عليه وسلم، يجب أن نتطرق إلى عددٍ من الشروط والممارسات التي حثنا عليها الدين الإسلامي ليكون الدعاء مستجابًا ومن بين هذه الأمور ما يأتي:
- يتعين على المسلم اختيار الأوقات التي قد تكون فيها استجابة الدعاء أقرب وأرجى، مثل ساعات السحر التي تُعد من أحب الأوقات للتقرب إلى الله، أو لحظات نزول المطر التي تحمل بركة كبيرة، أو الفترات الواقعة بين الأذان والإقامة التي ورد في السنة النبوية أنها من أوقات إجابة الدعاء، وكذلك أوقات أخرى أرشدنا إليها نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم.
- في ساعات الكرب والضعف، وعندما يُحاصر المسلم بالهموم والصعوبات، يجب عليه الاتجاه لرب العالمين بتذلل وصدق، حيث يدعو متضرعًا بروح مليئة بالحاجة والخشوع، معترفًا بذنوبه وتقصيره، حريصًا على طلب المغفرة برغبة صادقة ونية خالصة تسكن قلبًا منكسرًا يرجو رحمة الله وفضله.
- الإخلاص في الدعاء من أهم الأسباب التي تجعل الدعاء مقبولًا، فينبغي للمسلم أن يرفع يديه داعيًا الله وحده لا شريك له، مُدركًا أن الدعاء أحد أعظم أشكال العبادة التي تُظهر عبودية العبد لخالقه، فإذا كان الدعاء خالصًا لوجه الله تعالى، فإنه سبب كبير في تيسير الاستجابة.
- من الضروري أن يكون الداعي مطمئنًا في داخله ومُفعمًا بحسن الظن بالله عز وجل، حيث يثق في رحمة الله وفي أنه يسمعه وسيستجيب له مهما كانت ظروفه ومهما تثاقلت عليه همومه.
- من الشروط الأساسية لحصول البركة في الدعاء أن يكون قلب المسلم في حالة من الاستحضار والخشوع، حيث إن الله سبحانه وتعالى لا يقبل دعاءً يصدر من قلب غافل أو مفتون بأمور الحياة الأخرى.
- يجب الابتعاد عن الاعتداء في الدعاء؛ فلا يجوز للمسلم طلب أمور تخالف مقاصد الشرع أو تجاوز الحد في الطلب، حيث يؤدي الاعتداء في الدعاء إلى عدم قبوله واستجابة الله له.
أحوال تحقيق استجابة الدعاء
وهناك أوقات وأحوال محددة يتقبل الله فيها الدعاء وتكون استجابته أكثر تحققًا وقد وردت هذه الأحوال موضحة في النقاط التالية:
- الدعاء الذي يكون من شخص في حالة اضطرار، حيث يشعر بحاجته الملحة ولا يجد ملجأ أو منجى إلا إلى الله الذي يسمع نداءه ويزيل كربته ويقضي حاجته.
- دعاء الإنسان المظلوم الذي لحق به ظلم وأذى لأن الله تعالى وعد في كتابه الكريم أن يستجيب لدعوة المظلوم وينصره ويعيد له حقه.
- الدعاء الذي يُرفع بظهر الغيب، حيث يدعو الإنسان لشخص آخر بصدق وإخلاص دون علمه، وهذا الدعاء يحمله الملائكة إلى الله مستجابًا بركته مضاعفة.
- دعاء الإمام العادل الذي يتحلى بالعدل في قيادته ويخشى الله في كل قراراته ويضع مصلحة الرعية نصب عينيه فيستجيب الله لدعائه لما له من مكانة عظيمة.
- دعاء المسافر حين يكون مبتعدًا عن أهله ووطنه، إذ يعيش في حالة انقطاع ورجاء ويجد باب السماء مفتوحًا له لينزل الله عليه الطمأنينة ويُخفف غربته حتى يعود سالمًا.
- دعاء المريض وهو يناجي الله في لحظات ألمه وضعفه، لأنه في مثل هذه اللحظات يكون أقرب إلى رحمة الله والرجوع إليه بقلب منكسر ملؤه التذلل والإخلاص.
- دعاء الصائم أثناء صيامه وقبل إفطاره، إذ أن الصيام عبادة عظيمة تجعل الدعاء المقترن بها ذا فضل عظيم لا سيما عند لحظات الإفطار، فتكون مظنة الاستجابة والبركة.