الحياة تُعد محطة مليئة بالابتلاءات والاختبارات التي وضعها الله للإنسان كي تكون وسيلة لتحقيق الخضوع والطاعة لربّ العالمين وهي جسر يربط الإنسان المؤمن بالدار الآخرة حيث يتحلى المؤمن بالصبر والرضا أثناء التحمل ليرجو الفوز بجنة الرحمن برحمته سبحانه وتعالى، و هذه الابتلاءات المتنوعة التي يمر بها الإنسان لها غايات وحكم عظيمة انطلاقًا من رحمة الله ولطفه بعباده لذلك نجدها تصب في صالح العبد وتقوّي إيمانه وترفع درجاته وتزيل عنه الخطايا، وبذلك أكد الله في كتابه العزيز كما ورد في أحاديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم على أن الصبر مع البلاء مفتاحُ أجرٍ عظيمٍ ومنزلةٍ رفيعة في الدنيا والآخرة فالابتلاء وإن بدا في ظاهره شدة فإنما هو خير ورحمة تكمن في حكمة الله المطلقة.
دعاء مَن يواجه مصيبة
دعاء من يلتمس النجاة من الشدائد والكرب
دعاء عند مواجهة الابتلاءات المفاجئة
دعاء العبد الذي أصابه الابتلاء
ادعية المبتلى عند المصيبة
- يا رب يا من تَسمع كُل الشكاوى وتَعلم كل ما هو مخفي في الصدور وكاشف الكرب والهم عن عبادك يا من أنجيت نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام برحمتك وقدرتك أسألك بذل وانكسار بدعاء محتاج يتوسل إليك.
- أسألك يا أرحم الراحمين يا كريم يا عظيم بدعاء عبد منكسر لا يملك حولًا ولا قوة إلا بك دعاء مُبتلى أغرقته الهموم فلم يجد ملجأ إلا بابك أنت الذي تستحق أن ترفع الأكُف إليك فلا ملجأ منك إلا إليك فارزقني الفرج والمخرج.
- اللهم ارزقني فرجًا من كل ضيق ومخرجًا من كل كرب واغمرني برزق واسع لم أكن أحتسبه ولا أتوقعه واغفر لي ذنوبي وأزح عن قلبي كُل هم وثبّت يقيني بك واجعل قلبي لا يطلب حاجة إلا منك يا واسع المغفرة.
- يا الله أنت وحدك العالم بخفايا نفسي وما يعتري قلبي وما يثقل صدري حتى ما لا أستطيع أن أعبر عنه أنت به أعلم فارزقني من رحمتك ما يخفف همي ويجبر كسري ودبّر لي أموري كما يحب قلبي ويرضى نفسي.
- اللهم اصرف عني الحزن وأزل عني الهم وخلصني من الكسل والعجز وامنع عني البخل والخوف واحميني من وطأة الدين الذي يثقل الكواهل ومن غلبة الرجال التي تجرح القلوب برحمتك يا أرحم الراحمين.
دعاء من أصابته مصيبة وابتلاء
- اللهم يا رب إنّي عبدُكَ وابن عبدكَ وابن أمتكَ ناصيتي بيدك، أمري مردود إليك حكمك نافذٌ فيّ وقضاؤك كله عدلٌ أسألك بكل اسم هو لك سمّيتَ به نفسك، أو أنزلته في كتابك أو علّمته أحدًا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيعًا لقلبي ونورًا لصدري وجلاءً لحزني، وذهابًا لغمّي وهمّي.
- يا الله يا من لا إله سواك ولا معبود بحق غيرك، الإله الواحد الأحد لجميع خلقك أتوسل إليك بعظيم كلماتك التامات أن تفيض عليّ بعفوك وتكرمني بالستر والعافية في ديني ودنياي وأسألك دوام المعافاة في كل الأمور في الدنيا والآخرة، وأن تحفظ لي نفسي وأهلي ومالي وذريتي والمسلمين جميعًا برحمتك وعظيم قدرتك، فأنت القادر على كل شيء بغير حدود، يا أرحم الراحمين أسألك أن تُزيل هذا البلاء عني وتكشف كل سوء أو شر قد أصابني وأن تجعل لي من كل كربٍ فرجًا ومن كل ضيقٍ مخرجًا، فتدبر أمري يا كريم وتولَّني برحمتك يا رب العالمين.
- اللهم يا من أتوجه بشكواي وضعفي إليك، وأعرض عليك قلة حيلتي وهواني على الناس أنت أرحم الراحمين، ولا يلجأ لعظيم رحمتك عاجزٌ غلبه الناس إلا وجد نصرتك فلا تكلني لعدو يترقب هفوتي، ولا لولي قريب يتحكم في شأني وإن لم يكن في قضاءك سخطٌ عليّ فلا أُبالي، لكني أسأل رحمتك وعافيتك التي هي أوسع لي وأعوذ بنور وجهك الكريم الذي أشرقت له الظلمات واستقام الكون بشريعته، أن ينزل بي غضبك أو يحلّ عليّ سخطك، فلك الشكر حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك يا الله.
- اللهم يا عالمًا بحالي ويا مطلعًا على ما أخفي وما أُظهر أناجيك في ضعفي وأدعوك بواسع رحمتك أن لا تتركني لنفسي ولا تسلم أمري لخلق من خلقك ولو طرفة عين، فأنت ربي ورب كل شيء أنت من بيده مقاليد السماوات والأرض ورب العرش العظيم، فإليك أرفع حاجتي وأعتمد عليك في قضاء أموري كلها، ما ظهر منها وما بطن فأنت حسبي وكفى.
- يا الله يا من تفك كل كرب وتعطي كل عبد منك حاجته، يا من تقول للشيء كن فيكون أتوسل إليك وأنا عبدك المذنب الذي أثقلته ذنوبه، راجيًا عفوك وغافرًا بكرمك وهدايتك، اللهم ارحم ضعفي وتداركني بلطفك، هيئ لي من أمري رشدا واغفر لي زلاتي ووفقني لما تحب وترضى، فإنك أكرم الأكرمين.
الحكمة من الابتلاء
بعد أن استعرضنا صيغة الدعاء التي يقولها المسلم عند وقوع مصيبة، يمكننا الانتقال للحديث عن الحكمة العميقة وراء الابتلاءات وشرحها بالشكل الآتي:
- الابتلاءات تُعتبر وسيلة لتطهير المسلم من ذنوبه ومحو الخطايا التي قد يكون ارتكبها خلال حياته، وقد وردت أدلة كثيرة تثبت هذا الأمر في الأحاديث النبوية الشريفة التي توضح أن كل ابتلاء يصيب المؤمن، مهما كان صغيرًا له جزاء وأجر عظيم عند الله سبحانه وتعالى، مما يبين قيمة الصبر أمام المحن والشدائد وكيف تؤثر حتى أصغر تلك المصائب في رفع مكانته عند الله.
- من أعظم الحكم في الابتلاء هو رفع درجات المؤمن وزيادة حسناته، فالرسل والأنبياء الذين كانوا أشد الناس ابتلاء يُعتبرون النموذج الأعظم على أن الابتلاء دليل محبة من الله لعبده وفرصة للتقرب منه، وهذا يظهر بوضوح أن المحن تُكسِب المُبتلى صلابة الروح وشرف المقام الذي يستحقه نتيجة صبره وثقته في حكمة الله.
- ما يُميز الابتلاء كذلك هو كونه وسيلة لإظهار الإيمان الصادق، حيث يميز الله تعالى بين المؤمن المخلص الذي يصبر ويعتمد عليه بقلب صادق وبين من يجزع ويشكو، فيكون الابتلاء اختبارًا عمليًا يكشف حقيقة الإيمان ويبرز ثبات القلوب الصادقة أمام التحديات، مما يعكس جوهر الإيمان في مواجهة المحن.
- قد يكون الابتلاء أحيانًا رسالة تنبيه من الله لعبده للتوبة والرجوع إليه، فهو يُستخدم لتطهير النفس من المعاصي والذنوب التي قد يرتكبها وهو في غفلة، مما يعطي الفرصة للمؤمن للتأمل في أعماله والاستغفار والتوبة إلى الله عز وجل فبهذا الابتلاء يتحقق الإصلاح الداخلي والتقرب إلى الله.
أنواع الابتلاءات
الابتلاءات التي تمر بحياة الإنسان تُقسم إلى ثلاثة أنواع رئيسية، وكل نوع منها يُمثل اختبارًا من الله عز وجل لعبده بهدف قياس مدى صبره وشكره وثباته على طريق الحق، وتفصيل هذه الأنواع كما يلي:
- التكاليف العبادية
المقصود بهذه التكاليف هي العبادات التي فرضها الله جل شأنه على عباده المسلمين مثل الصلاة والصيام وإخراج الزكاة وأداء فريضة الحج وغيرها من العبادات المفروضة، والغرض منها هو امتحان مدى تمسك العبد بالإيمان واستمرار تقربه إلى الله تعالى بطاعته، حيث يظهر من خلال هذا الابتلاء مدى قدرته على الالتزام بالفرائض وإقامتها بجدية وإخلاص رغم ما قد يواجهه من مشقة في أدائها بحسب ظروفه الشخصية وقدرته البدنية.
- الابتلاء بالمصائب
يتضمن هذا النوع من الابتلاء العديد من أشكال المحن التي قد تصيب الإنسان في مراحل حياته المختلفة مثل فقدان أحبته بالموت، أو مواجهة ضيق الحال وقسوة الفقر، أو الإصابة بالأمراض الشديدة أو التعرض لخسائر مادية كبيرة أو مواجهة الفشل في الأمور الشخصية أو التجارية، وكل هذه الابتلاءات تأتي كاختبارات إلهية تهدف لتذكير الإنسان بعجزه واحتياجه الملح لخالقه، وأيضًا لتشجيعه على اللجوء إلى الله برفع الأكف بالدعاء، طالبًا من المولى عز وجل أن يفرّج كرباته ويعينه على تخطي أزماته.
- الابتلاء بالنعم
ويتجسد هذا النوع في النعم التي يمنحها الله سبحانه وتعالى للعباد مثل المال الوافر، والصحة الجيدة والذرية الصالحة والنجاح في الحياة، وهذه النعم تمثل أيضًا شكلًا من أشكال الابتلاء حيث يتم اختبار الإنسان لمعرفة كيفية تعامله حيال هذه النعم فهل سيكون شاكرًا لله عليها ومستثمرًا لها فيما يرضيه ويحقق منفعة للناس، أو قد يطغى وينحرف باستخدامها بطريقة تغضب الله حيث يحتاج هذا النوع من الابتلاء إلى مستوى عالٍ من الوعي والقدرة على التحكم في النفس لضمان استثمار النعم في الخير واتباع السبل التي تنال رضا الله عز وجل.
موقف المؤمن من الابتلاءات
- المؤمن عندما يواجه الابتلاءات والمصائب يُفترض أن يتحلّى بالصبر الذي أمر به الله سبحانه وتعالى ودعا إليه، لأن الصبر على المحن يُعد من أعظم الأعمال التي يترتب عليها أجر عظيم عند الله.
- وقد وعد الله الصابرين بأجر خاص عندما قال في كتابه العزيز: “إنما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب”، إن المؤمن الصادق لا يكتفي بشكر الله في أوقات النعمة والرخاء بل يظل ممتنًا وشاكرًا حتى في أوقات المحن والشدائد.
- ويكون لديه يقين كامل بأن كل ما يحدث في حياته يجري وفق إرادة الله وحكمته، وأن الابتلاء يندرج ضمن مقاصد حكيمة علينا أن نحاول إدراكها وقبولها برضى.
- وقد وضّح النبي صلى الله عليه وسلم أهمية الصبر على الابتلاء، وأشار إلى الثواب العظيم الذي ينتظر من يصبر على مصيبة كبيرة كفقدان ولده أو أي مصيبة أخرى دون أن يُظهر الجزع أو يتلفظ بما يغضب الله سبحانه وتعالى.
- ففي الحديث الشريف أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن من يصبر ويحمد الله عند فقدان ولده، فإن الله يبني له بيتًا في الجنة تكريمًا لصبره ورضاه وحمده.
- وهذا التعويض الإلهي يُشعر المسلم بالطمأنينة ويخفف عنه وطأة المصائب، إذ يدرك أن الجزاء الذي ينتظره في الآخرة أعظم بكثير مما فقده في الدنيا.
- ومن الوسائل التي تساعد المسلم على التغلّب على المصائب أن يتوجه إلى الله تعالى بقلب صادق ويطلب عونه وحمايته من وساوس الشيطان الذي يحاول دفعه إلى القنوط والجزع.
- ويتلو آيات القرآن ويُحافظ على صِلته بالله عز وجل من خلال عباداته المستمرة ودعائه الصادق واستغفاره الدائم.
- فالتقرّب من الله تعالى يزرع في القلب القوة والثبات ويُعزّزه بالصبر مهما بلغ ثقل المصيبة على النفس.
- كما أن المسلم يُجدد العهد مع الله بالتوبة عن الذنوب، إذ قد تكون كثرة الذنوب سببًا في وقوع الابتلاءات، وبالتالي فإن العودة إلى الله والتوبة تمنح الراحة وجمال العلاقة بخالق الكون.
والله سبحانه يختبر عباده في الدنيا بالمحن والتجارب ليتبيّن المؤمن الصادق الذي يتحمّل ويصبر ويثق به من ذلك الذي يدع الجزع يسيطر عليه وينسى الإيمان، والمؤمن يُدرك أن الحوادث في حياته كلها سواء كانت خيرًا أو بلاءً ما هي إلا اختبارات ربانية، وقد بيّن القرآن الكريم في مواضع عدة صفات المؤمنين الذين يتمكنون من الجمع بين الشكر في أوقات النعمة والصبر في الشدائد والمحن، وهذه الصفات الرفيعة تُسهم في رفع درجات الإنسان عند الله وتنمّي مكانته في الآخرة.