الدعاء بعد التشهد الأخير وقبل التسليم

ربُّ العالَمين شرَّعَ الدعاء لعباده في جميع الأوقات دون أي استثناء ووعد سبحانه بإجابة دعاء من دعاه حيث قال تعالى في كتابه الكريم: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) وهذا وعد من الله سبحانه وتعالى يُطمئن به قلوب عباده بأنه قريب منهم ومستجيب لدعائهم إذا توجهوا إليه ولذلك ينبغي على كل مسلم أن يحرص على اغتنام نعمة الدعاء والاستفادة من الفرص المباركة التي دلّنا عليها النبي –صلى الله عليه وسلم– والتي بيّن فيها أوقاتًا مخصوصة لفضل الدعاء وأجره العظيم عند الله.

ومن أبرز الأوقات التي أكّد عليها الرسول –صلى الله عليه وسلم– لاستحباب الدعاء وشدد فيها على فضلها هي الدعاء بعد التشهد الأخير وقبل التسليم في الصلاة فقد خصّ هذا الوقت بحالة روحانية مميزة للمسلم لقربه من ختام صلاته وهو في صلة مباشرة مع ربه بقلب خاشع ومتوجه لذا يُنصح أن يُستغل هذا الوقت للتوجه إلى الله بالدعاء الصادق والتضرع الخالص لتحقيق الأمنيات أو لطلب المغفرة أو لأي حاجة يحملها القلب وهو وقت يشهد إجابةً من الله عزّ وجل كما أشار العلماء بالإجماع إلى فضيلته باعتباره من الأوقات المستجابة لذلك اجعل نيتك خالصة لله وألحّ في دعائك بخشوع كامل واستحضار عظمة الله فإن الدعاء الخالص المُترافق مع الإصرار يعدّ من أهم أسباب القبول والاستجابة بإذن الله.

الرأي الفقهي حول الدعاء عقب التشهد الأخير وقبل السلام

اتفق أهل العلم على أن الدعاء بعد التشهد الأخير وقبل التسليم يُعد من الأمور المستحبة التي يُفضل أن يحرص المسلم على مداومتها في جميع الصلوات سواء الفرض أو النوافل ويدل على ذلك ما ثبت عن النبي –صلى الله عليه وسلم– من أحاديث صحيحة تؤكد التزامه بهذا الدعاء في هذا الوقت المُبارك وقد كان –عليه الصلاة والسلام– يحث أصحابه الكرام وزوجاته –رضوان الله عليهم– على الحرص على هذه العبادة العظيمة التي تعبر عن الصلة القوية بين العبد وخالقه وقد أوضح العلماء أن هذا الوقت من الأوقات المحببة لإجابة الدعاء بإذن الله حيث يمكن لكل مسلم أن يبث لله ما في قلبه ويدعوه بأسمائه الحسنى ويطلب منه كل ما يطمع في نيله من خيري الدنيا والآخرة وينقل إليه همومه وحاجاته وإن السنة النبوية المطهرة وتوجيهات الرسول الكريم –صلى الله عليه وسلم– تظهر لنا أهمية هذه اللحظة وكيف يمكن استغلالها في التقرب إلى الله بالدعاء والرجاء والتضرع في كل صلاة.

أبرز صيغ الدعاء المأثورة بعد التشهد الأخير وقبل التسليم

الأدعية التي تُقال بعد التشهد الأخير وقبل التسليم لها أهمية عظيمة وجاءت مستندة إلى أحاديث صحيحة عن النبي –صلى الله عليه وسلم– حيث حرص النبي الكريم في هذه اللحظات المباركة على الدعاء بمطالب تجمع بين النجاة من الأخطار الدنيوية والأخروية وتحقيق السكينة والاطمئنان القلبي وتشمل هذه الأدعية الاستعاذة من الفتن والمخاطر التي تهدد استقرار الإنسان على مستوى الإيمان والأمان وفيما يأتي توضح لأبرز هذه الصيغ التي وردت عن النبي عليه الصلاة والسلام:

  • اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ومن عذاب جهنم ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال وهذا الدعاء يركز على طلب الوقاية من أهوال المراحل المختلفة التي يمر بها الإنسان بداية من الفتنة في حياته مرورًا بالموت وعذاب القبر وصولًا إلى عذاب النار مما يعكس وعيًا كبيرًا بضرورة الحماية الإلهية من جميع الأخطار سواء الروحية أو الجسدية.
  • اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات وهنا يظهر الدعاء تضرعًا صادقًا يهدف إلى السلامة من المزالق الأخلاقية مثل ارتكاب الذنوب وأعباء الديون التي قد تثقل كاهل الإنسان فتتحقق الطمأنينة الداخلية من خلال طلب العفو الإلهي والتنصل من الأعباء الدنيوية التي تؤرقه.
  • اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت ومن شر ما لم أعمل، ويُعد هذا الدعاء تعبيرًا صريحًا عن الندم الحقيقي على الذنوب التي سبق وارتكبها الإنسان مع تمني البعد عن الوقوع في الخطايا المستقبلية فهو دعوة للتطهير النفسي والالتزام بالسلوك القويم والابتعاد عن كل ما هو ضار روحًا وعملًا.
  • اللهم إني أعوذ بك من فتنة الدنيا وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر وأعوذ بك من عذاب القبر حيث يبرز هذا الدعاء حرص المسلم على البقاء في عزُ الكرامة الإنسانية دون السقوط في أهوال الفتن التي قد تنحرف بسلوكه وطموحه الدنيوي كما يتوجه بالطلب للمولى أن يحفظه من الضعف الجسدي والعقلي في سنوات العمر الأخيرة بما يضمن حياة تحفظ احترامه وتوازنه.

نصوص نبوية عن الاستعاذة عقب التشهد الأخير وقبل السلام

  • ذَكر أَبُو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم وجه المسلمين للاعتصام بالله ودعائه بالاستعاذة من أربع أمور في ختام صلاتهم بعد التشهد وهذا يتمثل في قوله: «إذا تشهد أحدكم، فليستعذ بالله من أربع؟ يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال» يُبيّن هذا الحديث الذي رواه مسلم وأحمد والنسائي المكانة العظيمة التي يحتلها هذا الدعاء بوصفه جزءاً مهماً من أركان العبادة في الصلاة.
  • روي عن عروة بن الزبير رضي الله عنه أن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها كانت تحدثه بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يترك الدعاء أثناء الصلاة مشيراً إلى قوله: «اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات.. اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم» وعندما سأله أحد الصحابة عن مقصده في الدعاء المستمر بالاستعاذة من المغرم أجاب قائلاً: «إن الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف» الحديث ورد في صحيحي البخاري ومسلم ويُلقي الضوء على البصيرة التي تتجلى في هذا الدعاء المستمد من حاجات الإنسان في الدنيا والآخرة.
  • روى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه كان يحرص على تعليم أولاده هذه الأدعية كما يُعلم المُعلم الأطفال الكتابة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يداوم على الدعاء بها قائلاً: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ منهن دبر الصلاة؟ اللهم إني أعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر» ورد هذا الحديث في صحيح البخاري حيث يكشف عن أهمية هذه الأدعية التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يحض على الالتزام بها في ختام الصلاة.
  • تم تسجيل دعاء النبي صلى الله عليه وسلم كما روى فروة بن نوفل عندما استفسر من السيدة عائشة رضي الله عنها عن الدعاء الذي كان يقوله النبي صلى الله عليه وسلم فأجابت بأن النبي قال: «اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت، ومن شر ما لم أعمل» هذا النص الذي أورده صحيحي مسلم والنسائي وصححه الشيخ الألباني يكشف عن خشية الإنسان من آثاره وسوء عواقب أعماله ورغبته في حماية ربه من كل ما قد يمسه في الدنيا والآخرة.
  • أبو هريرة رضي الله عنه روى حادثة جرت مع النبي صلى الله عليه وسلم عندما سأله شخص قائلاً: «ما تقول في الصلاة؟ قال: أتشهد ثم أسأل الله الجنة، وأعوذ به من النار. أما والله ما أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ، قال: حولها ندندن» الحديث رواه أبو داود وابن ماجه وصححه الألباني وهو يعبر عن التركيز المفترض في الدعاء على رجاء القرب من الله بدخول الجنة والوقاية من نار جهنم.

دعاء مختصر يُقال بعد التشهد الأخير

  • دعاء قصير يقال بعد التشهد الأخير وَرَدَت في السُّنَّة النبويّة الكريمة طائفةٌ من الأحاديث الصحيحة التي تحتوي على أدعية تُقال بعد التشهد الأخير وتفاوتت صياغة هذه الأدعية بناءً على ما ورد في روايات الصحابة الكرام عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وكل دعاء منها يحمل معاني عميقة تُظهر تعلق العبد بربه وهي تختلف عن أدعية الاستعاذة التي نُقِلَت عنه -صلى الله عليه وسلم- ومن هذه الأدعية:
  • من الأدعية الجليلة التي يمكن قولها بعد التشهد الأخير: اللهم حاسبني حسابًا يسيرًا. هذا الدعاء العظيم يعبر عن أمل العبد في رحمة الله ورجائه أن يُخفف الله عنه الحساب يوم القيامة برحمته وكرمه.
  • دعاء شريف ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول فيه: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت وما أنتَ أعلم به مني.. أنتَ المقدم وأنتَ المؤخر لا إله إلا أنت.يحمل هذا الدعاء معاني الشمولية في طلب المغفرة حيث يسأل العبد الله أن يغفر له جميع الخطايا سواء كانت ظاهرة أو خفية قديمة أو حديثة ويبرهن بذلك على اعترافه بذنوبه وحاجته الماسة إلى عفو ربه.
  • ومن الأدعية المؤثرة التي تُظهر قمة الاعتراف بالذنوب أمام الله وتُعبر عن التذلل له: اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم. يعكس هذا الدعاء مدى شعور العبد بالندم على أخطائه وطلبه للاستغفار من الله وحده الذي يغفر الذنوب مهما عظُمَت.
  • وهناك دعاء مشهور ينطوي على طلب العون من الله على الطاعة والثبات عليها: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك حيث يُبرز هذا الدعاء رغبة العبد الصادقة في أن يمنحه الله القوة لمداومة ذكره وشكره والتزام طاعته بوجه حسن مما يحقق للعبد السعادة في الدنيا والآخرة.
  • كما ورد دعاء آخر يُظهر التوسل لله بأسمائه وصفاته العظيمة: اللهم إني أسألك يا الله بأنك الواحد الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، أن تغفر لي ذنوبي إنك أنت الغفور الرحيم، وفي هذا الدعاء يلجأ المسلم إلى خالقه بأحسن الأسماء وأجلّ الصفات، مُبيّنًا بذلك يقينه في قدرة الله ومغفرته وهو دعاء يحمل مكانة عظيمة لما يتضمنه من توحيد واعتراف بعظمة الله.

أحاديث شريفة عن الأدعية القصيرة بعد التشهد الأخير

  • عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس بين التشهد والتسليم يقول: اللهم اغفر لي ذنوبي التي قدمت والتي أخرت وما أعلنت وما أسررت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت (رواه مسلم).
  • وروي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله علمني دعاء أدعو به في صلاتي فقال: قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم (رواه البخاري ومسلم وأحمد والترمذي والنسائي).
  • وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيدي وقال: يا معاذ إني أحبك فقلت وأنا أحبك يا رسول الله فقال: أوصيك يا معاذ ألا تدع في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك وفي إحدى الروايات قال: لا تدع بعد كل صلاة هذا الدعاء رب أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك (رواه أبو داود وصححه الألباني) وفي رواية أخرى: (رواه النسائي وصححه الألباني).
  • وعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدعو في صلاته: اللهم حاسبني حسابًا يسيرًا فبعدما انتهى سألته: يا رسول الله ما الحساب اليسير؟ فقال: أن ينظر في كتاب العمل ويتجاوز عن الزلات فإن من نوقش الحساب هلك (رواه أحمد والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي وحسنه الألباني).
  • وجاء عن محجن بن الأدرع رضي الله عنه قوله: دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد فوجد رجلًا قد أنهى صلاته وكان يدعو قائلًا: اللهم إني أسألك بأنك أنت الله الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد فاغفر لي ذنوبي إنك أنت الغفور الرحيم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد غفر له وكررها ثلاث مرات (رواه أبو داود والنسائي وصححه الألباني).

الأدعية المسنونة لختم الصلاة بعد التشهد الأخير

ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أدعية كثيرة تُقال بعد التشهد الأخير وقبل التسليم وتحمل هذه الأدعية معاني راقية وقيمًا روحانية عميقة ومن بين تلك الأدعية المأثورة في السنة النبوية:

  • رُوي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه كان حاضرًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما رأى رجلًا يدعو في صلاته قائلًا: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان يا بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند سماع دعائه: لقد دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب وإذا سُئل به أعطى. (أخرجه أبو داود والنسائي وصححه الألباني).
  • وجاء أيضًا عن عطاء بن السائب عن أبيه أن عمار بن ياسر رضي الله عنه صلى يومًا صلاة كانت خفيفة نوعًا ما فاشتكى البعض من تخفيفها وسألوه عن السبب فأجابهم قائلاً: رغم أن الصلاة كانت قصيرة إلا أنني أحييت فيها أدعية سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فانصرف رجل من الحاضرين ليعرف الدعاء بالتحديد ثم عاد لإخبارهم به وكان نص الدعاء كما يلي: اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق! أحيني ما علمت الحياة خيرا لي وتوفني إذا علمت الوفاة خيرا لي وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة وأسألك كلمة الحق في الرضا والغضب وأسألك القصد في الفقر والغنى وأسألك نعيما لا ينفد وأسألك قرة عين لا تنقطع وأسألك الرضاء بعد القضاء وأسألك برد العيش بعد الموت وأسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين. (أخرجه النسائي وصححه الألباني).

هل يُشرع رفع الأيدي أثناء الدعاء قبل التسليم؟

طُرِحَ سؤال على الشيخ بن باز –رحمه الله– حول مدى جواز رفع اليدين بالدعاء في الصلاة قبل التسليم فجاءت إجابته مؤكدة أن رفع اليدين أثناء الدعاء يُعتبر من أسباب استجابة الدعاء استنادًا إلى ما جاء عن النبي ﷺ حين قال: «إن ربكم حيي كريم، يستحي من العبد إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرًا» حيث يُبين الحديث الشريف أدب الدعاء وأهمية رفع اليدين فيه إذ يُعد ذلك من سنن النبي ﷺ في مواضع محددة ومعروفة .

مع ذلك ما ورد عن النبي ﷺ رفع اليدين بالدعاء بعد التشهد الأخير وقبل التسليم سواء في الصلوات المكتوبة أو صلاة الجمعة ولذلك فمن الأفضل الالتزام بما ورد في السنة النبوية واتباع ما نقل عن النبي من الأفعال المخصوصة بالعبادات في أوقاتها ومناسباتها لأن رفع اليدين في هذه الحالة غير وارد تمامًا في سنة النبي ﷺ حيث ذُكِر أن هناك مواضع معينة لا يُشرَع فيها رفع اليدين أثناء الصلاة مثل الركوع أو السجود وينطبق ذلك أيضًا على حالة الدعاء قبل التسليم.

ما حكم ترك الدعاء عقب التشهد الأخير؟

الدعاء بعد التشهُّد الأخير وقبل التسليم ورد في السنة النبوية وأكد النبي –عليه الصلاة والسلام– على فضله وأهميته حيث كان يشدد بشكل واضح على هذا الوقت المخصص للدعاء لكنه لم يجعله من الفرائض وبالتالي إذا لم يقم الشخص بالدعاء فإنه لم يرتكب إثمًا لأنه ترك أمرًا مستحبًا وليس واجبًا ويُظهر ذلك مدى التسهيل والرحمة التي يقوم عليها الدين الإسلامي حيث يشمل دائمًا مراعاة أحوال المكلفين ويمنحهم خيارات مرنة ضمن الأحكام الشرعية ومع ذلك فإن الشخص الذي يترك الدعاء في هذه اللحظة يفقد أجرًا عظيمًا مرتبطًا بهذا العمل المحبوب والذي ورد عن النبي –صلى الله عليه وسلم– الذي أمرنا باتباعه وهذا الاتباع يُعتبر دليلاً عمليًا على محبتنا لله ورسوله الكريم كما ورد في القرآن الكريم:

  • ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [آل عمران: 31].
  • ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: 21].

مدى استجابة الدعاء قبل التسليم وفق الضوابط الشرعية

الإجابة عن سؤال هل الدعاء قبل التسليم مستجاب؟ جاءت بشكل واضح في سنة النبي –صلى الله عليه وسلم– وفق ما ورد في الحديث الشريف الذي رواه الصحابي الجليل أبو أمامة -رضي الله عنه- حيث قال:

  • «قيل: يا رسول الله! أي الدعاء أسمع؟ قال: جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات» (رواه الترمذي وحسنه الألباني).

أجمع العلماء على أن الدعاء في التشهد الأخير وقبل التسليم هو من أوقات استجابة الدعاء ولكن وقع بينهم اختلاف حول المعنى الدقيق لمفهوم دبر الصلوات وما إذا كانت تشير إلى الدعاء قبل التسليم أو إلى الدعاء بعده الأغلبية أشاروا إلى أن دبر الصلوات في اللغة تعني نهايتها بطريقة تشمل كونها جزءاً من الصلاة ذاتها مما يفيد بأن الدعاء في دبر الصلاة يختص بالفترة ما بين التشهد الأخير وقبل التسليم وليس بعد التسليم.

وفي إطار هذا التفسير استدل العلماء وعلى رأسهم الشيخ ابن تيمية والشيخ ابن عثيمين –رحمهم الله– بوجود أدلة ثابتة جاءت في الأحاديث النبوية التي حددت هذه اللحظة بوضوح كونها الموضع بين التشهد الأخير وقبل التسليم في الصلاة وكذلك الحديث الذي رواه معاذ بن جبل -رضي الله عنه- يدعم هذا الفهم رغم أنه ورد بصيغة غير مباشرة وقد جاء الحديث عن النبي –صلى الله عليه وسلم– عندما أمسك بيد معاذ بن جبل -رضي الله عنه- وقال له مبينًا أهمية هذا الدعاء فقال:

  • عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخذ بيده وقال: يا معاذ، والله إني لأحبك، والله إني لأحبك، فقال: أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة تقول:.
  • وبذلك توصل العلماء إلى أن الدعاء في التشهد الأخير وقبل التسليم هو وقت يُرجى فيه استجابة الدعاء.

رأي العلماء في إطالة الدعاء قبل السلام

بالنِّسبة لمسألة حكم إطالة الدعاء قبل السلام؟ يُمكننا التَّعرف على ذلك من خلال حديث نبوي شريف يُبيّن لنا الكيفية المُثلى للدعاء والتوجه إلى الله عز وجل في الصلاة

  • جاء عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-، أنه قال: «كنا إذا كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة قلنا السلام على الله من عباده السلام على فلان وفلان فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقولوا السلام على الله! فإن الله هو السلام، ولكن قولوا: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين؛ فإنكم إذا قلتم أصاب كل عبد في السماء أو بين السماء والأرض، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو». (رواه البخاري).

من هذا الحديث نستدل على مشروعية الدعاء بعد الانتهاء من التشهد الأخير وقبل التسليم حيث يعد هذا الوقت من الأوقات المستحبة للدعاء ويُفضل أن يبدأ المسلم بالأدعية المأثورة عن النبي –صلى الله عليه وسلم– ثم يتجه بالدعاء إلى الله طالبًا منه ما يشاء من خيري الدنيا والآخرة وقد أكد العلماء على أهمية استغلال هذه اللحظات بشكل فعّال لأن هذا الموضع في الصلاة من مواطن إجابة الدعاء كما أن إطالة الدعاء فيه أمر محبب طالما التزم المصلي بالخشوع والتضرع في طلبه ما يُلبي احتياجاته الشخصية ويرجو تحقيق أحلامه وأمانيه مع الحرص على التنويع بين الأدعية النبوية وما يحتاجه المرء من أمور دينه ودنياه.

صيغ الدعاء قبل التسليم في ضوء الكتاب والسنة

اتفق العلماء على أن العبد مخيّر في أن يدعو بما يشاء بعد انتهائه من التشهد الأخير في الصلاة ومع ذلك يُستحب أن يتم اختيار صيغ الدعاء قبل التسليم من الكتاب والسنة لما تحمله هذه الأدعية من معاني عظيمة تشمل خير الدنيا والآخرة وتمنح العبد القرب من الله إذ تركز على طلب ما يخص أمور الدين والدنيا معًا بطلبات شاملة وعميقة.

  • ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [البقرة: 201] هذا الدعاء يعبر عن طلب شامل للخير في الجانبين الدنيوي والأخروي وهو أحد أفضل الأدعية التي وردت في القرآن الكريم لما تحققه من كمال في الطلب الشامل.
  • ﴿رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: 250] هذا الدعاء يعزز لدينا قيمة الصبر وترسيخ الخطى في مواجهة التحديات ويبين أهمية الاعتماد على الله لتحقيق النصر والتوفيق في الحياة.
  • ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾ [آل عمران: 38] من خلال هذا الدعاء نجد تعبيرًا صادقًا عن الدعاء بالذرية الصالحة إذ كان من أدعية الأنبياء التي تحمل في مضمونها رجاءً عظيماً باستجابة مُخلصة من الله.
  • ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة: 286] هذا الدعاء يظهر مدى رحمة الله بعباده وكيف أن الإنسان يلجأ إليه بالكلمات البسيطة لطلب المغفرة على الزلات والنسيان.
  • ﴿رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا﴾ [البقرة: 286] دعاء يعكس طلب التخفيف من الأعباء والتيسير في التكاليف وهو تضرع لله ليظهر رحمته ورأفته بعباده.
  • ﴿رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: 286] يتميز هذا الدعاء بشموليته في طلب المغفرة والتيسير والرحمة والنصر بما يعكس اعتماد الإنسان الكامل على الله.
  • اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. هذا الدعاء البسيط يظهر إلحاح العبد على طلب العون من الله ليكون في ذكره وشكره على أكمل وجه بما يعكس عبودية خالصة.
  • ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ [آل عمران: 8] يجسد هذا الدعاء طلبًا للحفاظ على الهداية والاستقامة مع رجاء الحصول على رحمة الله الواسعة.
  • ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [آل عمران: 16] هذا الدعاء دعوة صادقة للمغفرة والنجاة من عذاب النار وهو يعبر عن الرجاء الممزوج بالإيمان.
  • ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ﴾ [إبراهيم: 40] هذا الدعاء يظهر أهمية الصلاة كركيزة أساسية في العبادة مع الدعاء للذرية بأن تكون ملتزمة بالصلاة والجوانب الإيمانية.
  • ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ﴾ [إبراهيم: 41] دعاء جميل يركز على البر بالوالدين والدعاء لهم ولجميع المؤمنين في يوم الحساب العظيم.
  • اللهم إنك عفوٌّ تحب العفو فاعفُ عني. يتسم هذا الدعاء بالبساطة والعمق إذ يعتمد على صفة العفو من الله بأسلوب رقيق يعبر عن التسليم الكامل لله.
  • اللهم اغفِرْ لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلمُ به مني. دعاء شامل يجسد الاعتراف بالذنب والخطأ مع طلب المغفرة بتوجه صادق إلى الله.
  • اللهم أطعم مَن أطعمني وأسقِ مَن سقاني. هذا الدعاء النبوي يعكس قيم الامتنان والعطاء وهو دعاء يحمل فيه المعاني الرقيقة للشكر لله.
  • اللهم آتِ نفسي تقواها وزكِّها أنت خيرُ مَن زكاها أنت وليُّها ومولاها حيث يعبر هذا الدعاء عن طلب حالة من النقاء النفسي والتقرب إلى الله بشوق عظيم لحياة طاهرة.
  • اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، دعاء موجز ولكنه جامع لكل ما يحتاجه الإنسان من أمور الدين والدنيا على حد سواء.
  • اللهم أصلِحْ لي دِيني الذي هو عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي واجعل الحياة زيادةً لي في كل خيرٍ واجعل الموتَ راحةً لي من كل شر، يعتبر دعاء شامل يتضمن السعي للإصلاح بكل جوانب الحياة ويركز على الاستهداء إلى الخير في الدنيا والآخرة بما يضمن التوازن بينهما.

الرأي الشرعي في الدعاء عقب التشهد الأول

حُكم الدعاء بعد التشهد الأول يُعتبر من المسائل التي لم تُورد فيها نصوص صريحة في القرآن الكريم والسنّة النبوية جاءت مُحفّلة بالتوجيهات والتشريعات التي يُستحب للمسلم أن يلتزم بها حرصًا على تحقيق الخير وصلاح أمور الدين والدنيا وطاعة النبي –صلى الله عليه وسلم– تُعد جزءًا لا يتجزأ من طاعة الله التي أمرنا بها في كتابه العزيز وذلك من خلال قوله تعالى:

  • {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.

أما بخصوص موضوع الدعاء بعد التشهد الأول فقد ثبت أن النبي –صلى الله عليه وسلم– لم يُورد في هذا الموضع استحبابًا للدعاء بأي صيغة معينة ولكنه لم يُنهِ عنه أيضًا ولذلك فإن جمهور العلماء قد ذهب إلى أن الدعاء بعد التشهد الأول ليس من السنن المُستحبّة كما أنه ليس محرَّماً فالرسول –عليه الصلاة والسلام– لو كان في هذا الدعاء منفعة دينية عظيمة لأمرنا به أو دلّنا عليه ومن هنا يُصنف هذا الفعل ضمن الأمور التي لا يُطلب من المسلم الالتزام بها أو القيام بها في هذا المكان من الصلاة.

إيمان محمد محمود، خريجة تكنولوجيا التعليم والمعلومات ، أعمل مدرب حاسبات ونظم، كاتبة مقالات في العديد من المواقع ، متخصصة في الأدعية والاخبار السعودية علي موقع كبسولة ، للتواصل معي capsula.sa/contact_us .

0 0 التصويت
Article Rating
الاشتراك في تنبيهات التعليقات
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
الأقدم
الأحدث الأكثر تصويتا
التعليقات المضمنة
عرض جميع التعليقات
0
اكتب تعليقك او استفسارك وسنرد عليك في أقرب وقت بمشيئة الله تعالىx
()
x