دعاء سورة النور الذي يُطلب به تنوير العقل والبصيرة يُعد من الأدعية المباركة المرتبطة بإحدى السور العظيمة في القرآن الكريم التي أنزلها الله سبحانه وتعالى على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن الكريم يحتوي على الكثير من العبر والحكم التي تهدف إلى هداية الإنسان نحو طريق الحق والرشاد وتُعد سورة النور من السور التي جمعت بين الأحكام الشرعية والمبادئ القصصية التي تعالج قضايا هامة تُلامس شؤون حياة الناس سواء في أمور دنياهم أو آخرتهم.
سورة النور تناولت موضوعات متعددة تعكس أهمية المبادئ الأخلاقية والقيم الإسلامية في حياة البشر مثل قضايا الزواج وتنظيم العلاقات داخل الأسرة والتأكيد على تجنب الفتن وأسباب الانحراف بالإضافة إلى الدروس الأخلاقية التي يكتسبها المسلم من القيم الأساسية التي تتضمنها كأدب الاستئذان وتنظيم العلاقات الاجتماعية السليمة بين الأفراد وكل هذه القيم تسهم في بناء مجتمع إسلامي يتميز بالقوة في المبادئ والترابط بين أفراده والدعاء الذي يُردد بعد تلاوة سورة النور والانتهاء منها يُعد من الأدعية المأثورة التي ورد ذكر فضلها في السنة النبوية المطهرة حيث أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى ضرورة المحافظة على قراءة هذه السورة مع الدعاء بعدها لما فيه من خير في قضاء الحاجات وتحقيق الصلاح لما تحمله من معانٍ تمنح من يتلوها أو يصغي إليها بصيرة نافذة وحكمة تُعينه في أمور حياته بتوفيق الله وفضله.
معلومات حول سورة النور
- اسم السورة: سورة النُّور هي الاسم الذي أُطلق على هذه السورة الكريمة.
- مكان نزول السورة:سورة النور نزلت في المدينة المُنوَّرة مما يجعلها من السور المدنية التي نزلت جميع آياتها بعد هجرة النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.
- عدد آيات سورة النور:تتألف السورة من 64 آية مما يجعلها تُصنَّف ضمن السور المتوسطة الطول مقارنة بغيرها من سور القرآن الكريم.
- عدد الكلمات:تحتوي السورة على 1317 كلمة تعكس تنوعًا بلاغيًا وإعجازًا قرآنيًا في التعابير والمعاني التي تحملها الآيات.
- حروف سورة النور:عدد الحروف في السورة يُقدّر بـ 5596 حرف و هذا العدد يُبرز مدى التركيز القرآني في إيصال الرسائل والمعاني بطريقة بليغة ودقيقة.
- ترتيبها في القرآن الكريم:سورة النور تأتي في ترتيب السور القرآنية بالمرتبة الرابعة والعشرين وتتواجد تحديدًا في الجزء الثامن عشر مما يضعها في موقع مميز ضمن تسلسل المُصحف.
- عدد السجدات: لا تحتوي السورة على أي مواضع لسجدة التلاوة حيث إنّ آياتها تخلو من السجدات.
دعاء من سورة النور لحفظ العقل
يَمُرُّ العديد من الأشخاص بمواقف يحتاجون فيها إلى عون الله ومساعدته فيجدون أن لا شيء أصدق وأقرب إلى قلوبهم من الدعاء والالتجاء إلى رب العالمين الذي يعلم خفايا النفوس ويقدر على أن يفتح لهم أبواب الطمأنينة والسلام ولمن يرغب في حفظ عقله وزيادة صفاء ذهنه يُعد الدعاء المستوحى من معاني سورة النور من الأدعية التي تُعين المسلم على تحقيق هذا الغرض العظيم ومن الأدعية التي يمكن توجيهها إلى الله لتحقيق هذا المقصد المبارك ما يلي:
- ندعوك يا نور السماوات والأرض ويا عالِمَ الغيب والشهادة أن تُضيء قلوبنا بالطاعة وتجعلنا من أهل الفلاح وترشدنا في عقولنا إلى معرفتك التي تنير طريق الإنسان للخير والتقوى.
- نتوجه إليك يا الله يا حق يا نور السماوات والأرض يا من وسع علمك كل شيء ونسألك من جودك أن تنور قلوبنا وأفئدتنا بعلمك وغفرانك يا من لا يقدر على كل شيء سواك.
- يا من تعلم السر وأخفى يا من علمك يشمل الدنيا والآخرة نسألك أن ترزقنا من علمك الذي تُعلم به عبادك وأن تجعلنا من الذين ينتفعون في أنفسهم وينفعون غيرهم بما رزقتهم من خيرك.
- اللهم يا من خزائن حكمتك لا تفنى نسألك من فيض علومك العالية وأسرار معرفتك العجيبة أن تُرزقنا إدراكاً يفتح أذهاننا ومعرفةً تزيد من حبنا وخدمتنا للبشر وتجعلنا من أهل عرفانك العظيم.
- يا رب العرش المجيد نتوسل إليك أن تمنحنا من عطائك الذي لا ينقطع رزقاً من معرفة تُوسّع المدارك وتُثري العقول وتجعلها وسيلة لكسب الخير والعمل به برحمتك التي شملت كل شيء.
- اللهم نسألك علماً نافعاً ينير طرقنا وأذهاناً يقظة مفعمة بوعيك وقلباً مُطمئناً بخوفك وإخلاصك وعملاً مُتَّقَبَلاً بكرمك ومغفرتك ونعوذ بك من علم لا يصاحبه الفهم أو العمل الصالح الذي ترضاه.
- يا أكرم الأكرمين نلجأ إليك بالدعاء أن تَهبَنا فهماً يُثمر بالعمل ويُحفظ لخير أمتنا ويكون حصناً يُنفع به المسلمون وأجعل ما نقدمه بعلمنا شاهداً لنا وأثراً طيباً مستمراً إلى يوم الدين.
دعاء من سورة النور لكشف البصيرة
يسعى كثير من الناس للتوجه بالدعاء إلى الله عز وجل بأدعية مستوحاة من سورة النور طلبًا لكشف البصيرة وإنارة القلب والعقل إذ إن الله جل جلاله قد منح بعض عباده نعمة البصيرة التي تجعلهم يدركون الأمور بوضوح ورؤية مختلفة لذا يتمنى البعض الحصول على هذه النعمة العظيمة ويلجأون إلى التضرع لله بأدعية من سورة النور مثل:
- اللهم يا نور السماوات والأرض يا من أشرقت بنوره كل الأكوان اجعل قلوبنا تفيض نورًا من نورك الذي يحيي القلوب والعقول واملأ صدورنا بذكرك وعقولنا بنور حكمتك فأنت القادر على كل شيء وأنت وحدك المانع والمعطي.
- اللهم يا واسع الرحمة يا من نورك لا يخبو أبداً أنر بصيرتي وأبهج قلبي بنور الحق الذي لا يشوبه باطل واجعل عزيمتي لا تتردد وطاقتي متجددة بنورك الذي لا ينطفئ أبداً واهدني دائمًا إلى الطريق الذي يرضيك ويطهر قلبي.
- يا خالق الجبال والبحار والشمس والنجوم يا من سخرت جميع المخلوقات لعظمتك وأمرت الكائنات كلها بالسجود لجلالتك أسألك أن ترزقني بصيرة ناصعة تُميّز لي بين الحق والباطل وتهديني للخير وتُبعدني عن مسالك الظلام.
- يا نور فوق كل نور يا مرشد العباد للنجاة والنور اجعل قلبي يهتدي إليك وأنر لي حياتي وأبعدني عن ضيق الظلام وأخذ بيدي نحو الصراط المستقيم الذي يرضيك ويقربني منك.
- اللهم إنا نحمدك على عظيم نعمائك ونشكرك لجلالك وقدرتك اللامتناهية يا رب يا مصدر كل نور أنر بصائرنا بنورك الذي يهدي الحائر ويوجه العقول للحق والطريق السليم واجعل محبتك وذكرك تملأ جوارحنا وأرواحنا.
- يا الله يا منبع النور ارزقنا من نورك هداية وبصيرة تقودنا لكل خير وسداد واملأ قلوبنا بالطهارة والخير وأبعد عنا كل ما يعكر صفاء النفس من كره وحسد واهدنا لطريق الحق والطاعة.
- اللهم بنور وجهك الكريم وبعظيم جلالك وعزتك يا نور السماوات والأرض وكل ما بينهما أضئ لنا حياتنا واهدنا إلى صراطك المستقيم واجعلنا من عبيدك الذين رضيت عنهم وخصصتهم بهديك.
أدعية من سورة النور لتيسير الزواج
يطمح كل مسلم ومسلمة إلى الحصول على شريك حياة صالح يعينه على طاعة الله ويكون سندًا له في الدنيا والآخرة وأن يعيش في كنف المودة والرحمة التي أمر الله بها في كتابه الكريم وهذا ما يدفع الكثير من الشباب والفتيات إلى اللجوء إلى الأدعية المستحبة المأخوذة من سورة النور وبعض الأدعية الأخرى المأثورة التي تحمل التضرع والإخلاص إلى الله سبحانه وتعالى لتحقيق هذه الأمنية العظيمة وفيما يلي مجموعة من الأدعية التي يمكن للمسلمين أن يدعوا بها بإخلاص:
- اللَّهُمَّ أَصلِح لي دِيني الذي هو عِصمَةُ أمري وأَصلِح لي دُنيَايَ التي فيها مَعاشِي وأَصلِح لي آخِرَتي التي إِلَيها مَعَادِي واجعل حَيَاتي كلها زِيَادةً في الخير والمَغفِرة والنعيم واجعل المَوتَ راحةً لي من كل شَرٍّ قد يُصِيبُني.
- اللَّهُمَّ يا كَرِيم أَسألك أن تَرزُقني الزَّوجَةَ التي تَتَّصِف بأخلاق عِبادك الصَّالِحِين وتُكرِمنِي بالذُّرِيَّةِ الصَّالِحَة وتَمنَحَنِي رزقًا طَيِّبًا مُبارَكًا واجعلني أَنعم بحياة تَملؤهَا بَرَكَتُكَ يا رب العالمين.
- اللَّهُمَّ يا أرحَمَ الرَّاحِمِين نَسألك الخير كله العَاجل منه والآجِل ونسألك الرِّزق الذي تُيسِّرُه لعبادك وأن تَمنَحنا العلم والحِكمة وتُرزقنا زَوجةً تكون لنا قُرَّةَ عين في الدِّين والدُّنيَا.
- يا الله يا عَزِيز يا حَكِيم، نَدعوكَ طَمعًا في فَضلِك الذي لا يَنقطِع ونسألك أن تُجيب دُعاءَنا بالعَفو والمَغفِرة وأن تَكتُب لنا نَصِيبًا في زَوجةٍ صالحة تُساعِدنا على طَاعَتِك وعلى السَّير في طريق الخير لأنكَ وحدَك القادِر على كل شيء وأنت الرَّحمَن الرَّحِيم.
- اللَّهُمَّ نَسألكَ يا ذا الجَلال والإِكرام أن تُعين بنات وشباب المُسلِمِين على العَفَاف وترزُقهم حياةً زوجيةً كريمة تَملؤها القناعة والرِّضا والمودة والرَّحمَة وتُهوِّن عليهم تأخر الرِّزق بالزَّواج وتجعل لهم فيه الخير واليُسر.
- اللَّهُمَّ يا ربنا الذي يجود على خَلقه بواسِع نِعَمِه أَستَعفِف عن كل حَرَام وأبتَعد عنه طلبًا لِرضاك فارزقني زَوجةً من أهل الجنَّة تُهَوِّن علَيَّ الدُّنيا وتُذكرني بِطاعَتِك وتجعلنا معًا في دربك حتى نَصل إلى جنتك يا أكرم الأكرمين.
أهمية قراءة سورة النور
سورة النور من السور القرآنية التي تحمل في طياتها الكثير من القيم والمواعظ التي تبصر الإنسان بحق الطريق وتثري حياته بأصول العدل والأخلاق والله عز وجل يُظهر فيها نوره الذي يُضيء القلوب ويهديها للحق ويغفر ويرحم من فضله العظيم والسورة تسلط الضوء على تنظيم حياة الفرد والمجتمع بما يرضي الله ويحقق التكامل في العلاقات والواجبات ومن أبرز مظاهر فضلها:
- بيان القواعد والأوامر التي يجب الالتزام بها: من الآيات الأولى لسورة النور نجد الله سبحانه وتعالى يوضح عظيم شأنها ويفرض الالتزام بما ورد فيها من أوامر حيث يقول: “سورة أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ” لتُظهر لنا أن السورة ليست نصوصًا فقط بل تحمل فروضًا ربانية يجب علينا الامتثال لها بعزمٍ وإيمان راسخ.
- دعوة لحفظ النفس وتجنب الأخطاء التي تُغضب الله: تناولت السورة بأسلوب واضح موضوع الغريزة التي خُلقت داخل الإنسان ووضعت الزواج كوسيلة شرعية وحيدة لحفظ النفس وصيانة الفرد من الوقوع في المحرمات وهذا التوجيه يُعد ركيزة أساسية في بناء مجتمع طاهر مطهر من المعاصي والابتذال.
- التحذير من العلاقات غير الشرعية والعقاب المُحدد لها: تضمنت السورة التشريعات الإلهية التي تمنع وقوع الإنسان في الزنا أو أي من المحرمات المتعلقة بالعلاقات غير الشرعية حيث وردت عقوبة صارمة لهذا الفعل إذ قال الله تعالى: “الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّـهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ” فجعل الله العقوبة علنية لتحقيق الردع وجعل المعصية عبرة لمن قد تُسوّل له نفسه الوقوع في مثلها.
- تشديد على خطورة القذف وشهادة الزور: السورة أوضحت أهمية الكف عن الافتراء على المحصنات وجعلت شهادة الزور من الكبائر التي يتم التعامل معها بأشد أنواع العقوبات حيث قال الله سبحانه: “وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ” وذلك لوأد الضرر الذي قد يُلحقه هذا الافتراء بأعراض الناس وتشويه سمعتهم بلا بينة.
- التنبيه على خطورة الحديث عن أعراض الناس بجهل ودون دليل: حذرت السورة من الخوض بالكلام في أعراض البشر بغير علم وأشارت إلى ما قد يظنه البعض أمرًا بسيطًا وهو عند الله عظيم حيث قال سبحانه: “إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّـهِ عَظِيمٌ” في دلالة واضحة على خطورة الاستهانة بالكلام وتأثيره الكبير على الفرد والمجتمع مما يُحتم على الجميع ضبط ألسنتهم وتحري الدقة قبل إطلاق أي قول.
فوائد تعلم وتلاوة سورة النور
سورة النور جاءت بتوجيهات ربّانية سامية تحمل منهجًا تربويًا يُرقي من أخلاق المسلمين ويهذب نفوسهم ويعلي من شأن السلوكيات الحميدة التي تتماشى مع تعاليم الدين الإسلامي وتتناسب مع قيمه الرفيعة وتشتمل هذه السورة على العديد من الفوائد التي تسهم في بناء الفرد والمجتمع:
- تعمل سورة النور على ترسيخ قيمة العفة والطهارة في نفوس المسلمين وتظهر أهميتها الكبرى في تأسيس مجتمع يتميز بالنقاء والالتزام الأخلاقي وتحث الأفراد على الابتعاد عن المحرمات والأفعال المنافية للأخلاق والالتزام بالقيم السامية التي تحمي كيان المجتمع.
- تُذكِّر المسلمين بضرورة التثبت وتوخي الحذر قبل تصديق الشائعات أو نشر الأخبار وتبين لهم أهمية التحري عن الحقائق والبحث عن المصداقية لتجنب الوقوع في الإثم أو إيذاء الآخرين دون وجه حق.
- تتناول السورة قواعد الاستئذان وآداب دخول المنازل لتعلمنا كيفية احترام الخصوصيات الشخصية للآخرين وتحثنا على التحلي باللباقة والذوق في تعاملاتنا اليومية بما يعكس رُقي أخلاق المسلمين.
- تشير السورة إلى أهمية ستر العيوب وحفظ كرامة الناس وتنبه المسلمين إلى ضرورة تجنب التجريح والإساءة سواء بالكلام الجارح أو التصرفات التي يمكن أن تسيء للآخرين مع الالتزام بالحفاظ على احترام كرامتهم.
- تُلفت السورة النظر إلى أن الله سبحانه وتعالى مطلع على كل شيء وتحث المسلمين على تعزيز مفهوم التقوى في حياتهم وتشجعهم على الالتزام بأوامر الدين الإسلامي مما ينعكس إيجابًا على علاقتهم مع الله ومع أفراد المجتمع من حولهم.
- تُعزز سورة النور من قيم الحشمة والاحتشام وتدعو إلى الالتزام بالتزام قواعد اللباس المحتشم وتحث على غض البصر مما يعين المسلمين على المحافظة على نقاء العلاقات وضبط التعاملات بين أفراد المجتمع بما يحقق الاحترام المتبادل ويصون كرامة الجميع.
- تُعلِّم السورة المسلمين كيف يعززون ثقتهم بأنفسهم من خلال الالتزام بالمبادئ والقيم وكيف يحترمون أواصر الروابط الأسرية والاجتماعية مما يزيد من قوة التماسك واللحمة بين أفراد المجتمع ويسهم في تحقيق وحدة متينة بين جميع أفراده.
- تُبرز السورة مكانة الأسرة في الإسلام كركن أساسي لبناء مجتمع مستقر ومتماسك وتركز على أهمية حفظ قيم الأسرة والعمل على تعزيز الروابط الأسرية من خلال الالتزام بالأخلاق السامية والقيم التي تُسهم في خلق جو من الإيمان والصلاح بين أفراد المجتمع.
آداب الاستئذان
آداب الاستئذان تُعد من القيم الأساسية التي يهتم بها الإسلام للحفاظ على حرمة البيوت وخصوصية الأفراد وقد بيّن الله سبحانه وتعالى في سورة النور بعض الأحكام التي يجب الالتزام بها عند الرغبة في دخول بيت ليس بيتك فمن الواجب احترام حرمة الآخرين وعدم اقتحام بيوتهم أو دخولها دون استئذان من أهلها لأن ذلك يُعد انتهاكًا لخصوصياتهم.
- أكد الله سبحانه وتعالى على أهمية الاستئذان في القرآن الكريم في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ والغرض من تشريع الاستئذان هو تفادي أي مواقف غير مريحة أو مزعجة لأصحاب البيوت كما يعبر عن احترامنا وتقديرنا لمنزلتهم وخصوصيتهم.
أهمية التعلق بالله والتمسك به وعدم الابتعاد عنه
التعلقُ باللهِ عزّ وجلّ والالتزامُ الدائمُ بذِكره يُعدّ من أعظم القربات وأهمّ الأمور التي يحتاجها المؤمن في حياته لأن الإنسان إذا كان قلبه مرتبطًا بربه وكان دائم الذكر له لن تتمكن صخب الحياة ومغرياتها من أن تصرفه عن صلواته أو عباداته مهما تعرض لضغوط أو مشاغل وهذه المعاني العظيمة وضّحتها الآيات الكريمة عندما وصفت المؤمنين بأن قلوبهم متصلة دائمًا بذكر الله فلا تجعلهم مصالح الدنيا ولا انشغالهم بالتجارة أو البيع يغفلون عن واجباتهم الدينية أو يقصرون فيها لأنهم يدركون عظمة وقيمة هذه العبادات ويخشون يوم القيامة الذي هو يوم تتبدّل فيه الأحوال وتقلب فيه القلوب والأبصار قال الله تعالى:
- رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّـهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ.
ضرورة الالتزام بغض البصر
غَضُّ البَصَر يُعَدُّ واجبًا دينيًا على كل مسلمٍ ومسلمةٍ فقد جاء أمرُهُ بصريح العبارة في سُورة النور التي تناولت هذا الموضوع بأهمية بالغة حيث وجهت المؤمنين والمؤمنات إلى ضرورة الامتناع عن النظر إلى ما قد يُفسِد القلوب ويُوقِع في المعاصي كما شددت السورة على التزام المرأة بتعاليم اللباس الشرعيّ الذي يُظْهِر الاحتشام ويُحقِّق السِّتر من خلال الحجاب الذي يحفظ كَرامتها ويُعينها على التمسك بدينها وإضافةً إلى ذلك بيَّنت السورة المحارم الذين يمكن للمرأة أن تُظهِر زينتها أمامهم ممن لهم بها صلة قوية مثل الأب والإخوة والزوج وغيرهم مؤكدة أن الحياء والاعتدال هو الأساس في مثل هذه الأمور وأكدت السورة على أن باب التوبة يظل مفتوحًا لكل عبد إذا ما وقع في تقصير أو خطأ باعتبارها الوسيلة لنيل مغفرة الله وعفوه.
- الله سبحانه أوضح ذلك برسالةٍ جليّةٍ للمؤمنين في قوله جلّ شأنه: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّـهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ حيث يوجِّههم بوجوب غضِّ البصر وحِفظ الفروج لأنها من وسائل تزكية النفس وتطهيرها من الآثام وجاء توجيهٌ مُقابِل للمؤمنات في قوله تعالى: وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وهنا جاءت الأحكام واضحة لتكون منهجًا في الحياة يُحافظ على العفة والوقار ويُبعد عن مواطن الخطر.
- كما تضمنت السورة تفصيلًا حول المحارم الذين يجوز للمرأة أن تظهر زينتها أمامهم وتندرج هذه الفئة ضمن أهل العلاقة الوثيقة مثل الأب والإخوة والأبناء وأبناء الأزواج وأبناء الإخوة والأخوات والنساء المُقربات منها والعبيد الذين كانوا معهودين في الأزمنة السالفة وذُكر أيضًا أن الأطفال الذين لم يبلغوا مرحلة الوعي بالفظائل والعورات يُمكن للمرأة أن تظهر زينتها أمامهم في نطاق محكوم بالاعتدال وهذا كله يأتي لضمان أن العلاقة بين المرأة ومحارمها تبقى قائمةً على النقاء بعيدًا عن أي شُبهةٍ أو تصرفٍ يخرج عن حدود الاحترام.
- كما شدَّد الله عز وجل على ضرورة أن يتجنب المؤمنون والمؤمنات إحداث أي ضجيج أو حركة ملفتة مثل الضرب بالأقدام على الأرض تجنبًا لجذب الانتباه نحو الزينة التي قد تكون مخفية وهذا ما جاء في سياق التحذير من استثارة الأنظار بغير مبرر وقد اختتمت السورة بتوجيهٍ عام بالدعوة إلى التوبة الصادقة في قوله عز وجل: وَتُوبُوا إِلَى اللَّـهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ حيث جعلت التوبة سبيلًا للفلاح للعبد في الدنيا والآخرة ولتحقيق الطهر من الخطايا والرجوع إلى رحمة الله الواسعة.
آداب تربوية مُستخلَصة من سورة النور
تحمل سورة النور في طياتها العديد من التوجيهات التربوية والاجتماعية العميقة حيث تُسلط الضوء على قضايا يومية تخص حياة المسلم وترتبط بتعاليم الشريعة الإسلامية التي تهدف إلى تحقيق الطُهر والسكينة في المجتمعات وتعزيز الصلة بالله سبحانه وتعالى ومن أهم الآداب التي تناولتها السورة:
- المماثلة في الزواج: بيّن القرآن الكريم أن الزواج في الإسلام يعتمد على الطهارة والعفة إذ لا يُمكن للزاني أن يقترن إلا بشخص يشاركه ذات الابتعاد عن الطهر فالزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية كذلك لا ينكحها سوى زانٍ أو مشرك وهذا يبرز أهمية توافق الأخلاق والقيم كأحد أهم أركان الزواج الناجح المستند إلى الفضيلة والطهارة.
- حسن الظن بالمسلم: حرص الإسلام على بناء مجتمع تسوده الثقة وأمر المؤمنين بالابتعاد عن الشكوك وسوء الظن خاصة فيما يتعلق بشرف المسلمين فقد شددت السورة على ضرورة التأكد والبينة الواضحة عند اتهام أحد برمي المحصنات واشترطت أربعة شهود لإثبات التهمة ومن دون هذا الدليل يكون الاتهام باطلاً في نظر الشرع وهذا يُعزز احترام الكرامة الإنسانية ويحمي الأعراض من الافتراء.
- التعلم من خطأ الآخرين: من الفطرة البشرية الوقوع في الخطأ إلا أن العاقل هو من يستفيد من أخطائه لتجنب تكرارها بينما الأذكى هو الذي يتعلم من أخطاء غيره ويستفيد من تجاربهم حيث إن القرآن الكريم يدعو إلى التأمل والتدبر في ما يحدث في حياة الآخرين واتخاذ العِبر منها كي يحمي الإنسان نفسه من الوقوع في المزالق ذاتها.
- حفظ النفس من الفواحش: دعا الله عز وجل الناس إلى الالتزام بالعفة والطهارة والابتعاد عن الفواحش وكل ما يؤدي إليها وفرض عقوبة محددة للزنى تتمثل في جلد الزاني والزانية ليس فقط كعقاب للمذنبين بل أيضًا كوسيلة لحماية أفراد المجتمع من انتشار الفجور والمحافظة على بيئة طاهرة وسليمة يعيش فيها الجميع بأمان.
- العقوبة: الأحكام الشرعية المتعلقة بالعقوبات لم تأت عبثًا بل بهدف الحفاظ على القيم الأخلاقية في المجتمع وردع كل من تُسول له نفسه التعدي على حدود الله أو التجرؤ على أعراض الناس مثل الاتهام الباطل للمحصنات حيث نص القرآن الكريم على معاقبة المفتري بجلده مائة جلدة ليبقى المجتمع محصنًا من الفتن والإشاعات المضللة.
- التوثيق: أكدت الآيات على أهمية توثيق العقوبات وإظهارها علنًا مما يُتيح للناس رؤية تطبيقها على من تجاوز حدود الله وهذا التوثيق يحمل أثرًا تربويًا عميقًا يُرسخ مفهوم الردع والخوف من مغبة الوقوع في الخطايا كما يُسهم في تعزيز الالتزام المجتمعي بالقيم والضوابط الأخلاقية.
- ترك مجال للصلح والتوبة: من أروع مظاهر الشريعة الإسلامية أنها تمنح الفرصة لكل مذنب للتوبة والعودة إلى الطريق المستقيم شرط أن تكون التوبة نصوحًا وصادقة مع طلب المغفرة من الله تعالى إذ يبقى باب الرحمة مفتوحًا أمام العاصين مهما بلغت ذنوبهم مما يعكس عظمة الإسلام في إبعاد الإنسان عن اليأس وزرع الأمل في النفوس بإمكانية إصلاح الذات وتجديد العهد مع الخالق.