عند أداء مناسك الحج والعمرة والوصول إلى الصفا والمروة يحرص المسلم على أن يبدأ دعاءه بقلب خاشع مليء بالإخلاص لله عز وجل، فالعبادات في هذه الفريضة المباركة تُعدّ من أعظم وسائل التقرب إلى الله سبحانه وتعالى التي شرعها للمسلمين، وهي فرصة عظيمة للتوبة والطاعة ونيل رضا الرحمن فالحج يمثل الركن الخامس من أركان الإسلام وفرضه الله على المسلمين المكلفين القادرين وفيه من الفضائل ما يعود على المسلم بالنفع في دنياه وآخرته بتحقيق توفيق الله ورضوانه.
يُعدّ السعي بين الصفا والمروة من أبرز شعائر الحج والعمرة، وعندما تصل إلى الصفا يسن أن تبدأ بالحمد والثناء على الله ثم تقرأ قوله تعالى: “إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (البقرة: 158)” بعدها تقول: “أبدأ بما بدأ الله به” ثم تستقبل القبلة وتبسط يديك بالدعاء بما في قلبك بكل رجاء وخشوع طالبًا من الله سبحانه وتعالى أن يحقق لك ما ترجوه، ومن السنة أن تعيد الدعاء ثلاث مرات وأنت تتأمل في معاني كلماتك تتيقن من قدرة الله على تحقيق حاجاتك ومغفرة ذنوبك وجبر كسورك.
الكثير من الأشخاص يأتون إلى هذا المكان المقدس حاملين همومًا وأماني غالية عسى أن تكون هذه اللحظات عند الله مباركة تُغيّر حياتهم وتحقق لهم أحلامهم، الدعاء في هذا الموضع العظيم فرصة لتصحيح النوايا وتجديد القلوب والعودة إلى الله بعزيمة قوية يملؤها الإيمان والتقوى وفي أثناء الدعاء يُفضل أن تكثر من التسبيح والتهليل والتكبير اقتداءً بما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم وتردد: “الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير” ويمكنك زيادة الأذكار بما يُلهمك التقرب إلى الله فتشعر بالسكينة والراحة بينما كلماتك تصل إلى عرش الرحمن بإذن الله.
أدعية السعي بين الصفا والمروة
يُعدُّ السعي بين الصفا والمروة من أبرز شعائر الحج التي يجب على المسلم أداؤها كجزء من مناسك الحج امتثالًا لأمر الله سبحانه وتعالى وتحقيقًا لشروط صحة الحج حيث يتم السعي بينهما سبعة أشواط اقتداءً بالسيدة هاجر رضي الله عنها حين كانت تسعى بين هذين المكانين بحثًا عن الماء والرزق لولدها إسماعيل عليه السلام مما يُعلّمنا دروسًا عظيمة في الصبر والإيمان والتوكل على الله عز وجل.
تُعتبر الأدعية المستحب قولها أثناء السعي عاملًا أساسيًا في زيادة القرب من الله وخشوع القلب لما لها من أثر بالغ على النفس لما تحتويه على طلب الرحمة والمغفرة والاستجابة الكاملة لأمر الله تعالى لهذا يُفضّل للمسلم أثناء السعي أن يتوجه بالدعاء خالصًا لوجه الله طالبًا منه فضله ورحمته وفيما يلي أبرز الأدعية المختارة التي يمكن الدعاء بها أثناء السعي:
- اللهم إني أسألك أسباب رحمتك ووسائل مغفرتك وحفظًا من كل ذنب وكسبًا من كل خير وبلوغًا إلى الجنة ونجاةً من النار اللهم ما عندك أعظم وأبقى فارزقنا منه يا أكرم الأكرمين.
- ربنا آتنا في الدنيا خيرًا وفي الآخرة خيرًا وقنا عذاب النار ربَّنا اغفر لنا ارحمنا تجاوز عنا كما تعلم عنا واهدنا إلى ما يُرضيك اللهم إنا ندعوك أن تجعلنا من عبادك الهداة المهتدين والقريبين منك برحمتك يا أرحم الراحمين.
- ربنا تقبَّل منا خالص الأعمال واغفر لنا زلاتنا ومدّنا بعونك على شكرك وذكرك وحسن طاعتك اللهم ارضَ عنا واغفر ما تقدم وما تأخر من أعمالنا وما أظهرنا وما أخفينا وما أنت أعلم به منا يا غفور يا رحيم.
- لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ أَنْجَزَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ اللهم ارزقنا من بركاتك وأعنّا على كل أمر تُحبّه وترضاه.
الدعاء المأثور عند انتهاء السعي مكتوب
دعاء نهاية السعي مكتوب بشكل متقن ومعبّر مع الحفاظ على المعاني والأصالة الروحية:
- اللهم يا رب نسألك أن تقبل منا أعمالنا وتجعلنا دائمًا من عبادك الساعين لطاعتك والعاكفين على شكرك وأن ترزقنا العافية وتغفر لنا ذنوبنا وتوفقنا للابتعاد عن كل ما يجعلنا نعتمد على أحد سواك وأن ترزقنا حسن الخاتمة بالإيمان الكامل والإسلام التام وأنت عنا راضٍ يا الله.
- اللهم نسألك رحمتك الواسعة التي تغمرنا بها وتعيننا على البعد عن طريق المعاصي وتبقي قلوبنا متعلقة بك طوال حياتنا وتجعلنا نبتعد عن كل الأمور التي لا تنفعنا وترزقنا التفكير الصائب في كل ما يرضيك عنا يا أرحم الراحمين ويا أكرم من يُسأل.
مكانة وفضائل الحج في الشريعة الإسلامية
الحج يُعد من أفضل العبادات التي شرعها الله سبحانه وتعالى لعباده وله مكانة كبيرة في الدين الإسلامي وقد جاءت نصوص عديدة في السنة النبوية تؤكد على علو شأن هذه العبادة وفضلها العظيم ومن الفضائل المتعددة للحج:
- يُعتبر الحج من أعظم القربات التي تؤدي إلى التقرب من الله سبحانه وتعالى فهو عبادة جليلة حثّ عليها الإسلام لما تحمله من أهمية روحية ودينية كبيرة ووردت في شأنها أحاديث نبوية شريفة تُظهر مدى تعظيمها وآثارها المباركة على المسلم.
- يتبين عِظَم مكانة الحج في الإسلام من كونه يُعادل الجهاد في سبيل الله ولأن الحج عبادة لا يستطيع كل الناس القيام بها بنفسهم دائمًا فإن الدين أجاز الإنابة فيها مما يُحافظ على استمرارية هذه الشعيرة العظيمة بشروطها وضوابطها.
- من أبرز فضائل الحج أن أجْره عند الله عظيم للغاية حيث إن الله سبحانه وتعالى وعد الحجاج الصادقين بالمغفرة والجنة والتي هي أسمى وأعظم جزاء يمكن أن يحصل عليه المسلم في حياته وفي آخرته.
- الحج يُشكل فرصة عظيمة يغتنمها المسلم للتكفير عن ذنوبه فهو باب واسع للرحمة والمغفرة من الله عز وجل حيث إن الحاج الذي يؤدي هذه الفريضة بإخلاص ويعود إلى ربه يُصبح كأنه قد وُلد من جديد بنقاء وصفاء النفس خاليًا من ذنوبه السابقة.
- ما يميز الحج هو الشعور الخاص الذي يُظهره الله عز وجل للحاج إذ يعتبره ضيفًا على كرم ربه فمن يُقبل على هذه العبادة بصدق يُكرمه الله بثواب عظيم ومنزلة رفيعة بين عباده المؤمنين.
- واحدة من الخصائص المميزة للحج هي استجابة الله سبحانه وتعالى لدعاء الحاج إذا رفع أكفّ الضراعة إليه بصدق وإيمان فهو وقت يُجاب فيه الدعاء ويُمنح فيه الحاج السعادة والمغفرة بفضل الله ورحمته.
- الموت أثناء الحج يَعُدّ من أعظم علامات حُسن الخاتمة حيث يُكرم الله عباده الذين قضوا حياتهم في طاعته وأتموا فريضة الحج إذا توفاهم وهم في هذه العبادة ويتفضل عليهم بدخول جنته ونعيمها بكرمه وفضله العظيم.
الشروط اللازمة لأداء فريضة الحج
الحج يُعدُّ من أعظم الفرائض التي فرضَها الله سبحانه وتعالى على المسلمين، لكن وجوب هذه الفريضة لا يتحقق إلا بتوفر مجموعة من الشروط التي لا يمكن إغفالها والتي تُعتبر أساسية لتصبح الفريضة ملزمة على المسلم:
- الإسلام: تُعد هذه الفريضة خاصة بالمسلمين دون غيرهم فلا يُطالب غير المسلم بأداء الحج، وهذا يتماشى مع تعاليم الإسلام حيث أن الحج هو أحد أركان الدين الإسلامي.
- العقل: يشترط أن يكون الإنسان عاقلًا وبكامل قواه العقلية إذ لا تُكلف الشرائع غير العاقل، وهذا واضح في كل الفرائض والشعائر الدينية.
- البلوغ: الحج واجب على الأشخاص الذين بلغوا سن التكليف سواء كانوا رجالًا أو نساءً، أما من لم يبلغ بعد فإن أداء الحج يُجزئ عنه كعمل تطوعي لكنه لا يُعتبر واجبًا.
- الحرية والاستطاعة: يجب أن يكون الشخص حرًا غير مملوك وأن يمتلك القدرة البدنية والمالية لأداء فريضة الحج بحيث يستطيع تحمل مشقات السفر ومصاريف الحج دون أن يُثقل ذلك عليه أو يعرضه لعسر شديد.
- أن تكون نفقات الحج من مال حلال فالمال الحلال شرط أساسي لقبول هذا العمل العظيم لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا.
ومن الجدير بالمسلم حين يعقد النية لأداء فريضة الحج أن يلتزم بكافة المناسك والمراحل التي شرّعها الله ووضحها الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ يجب على المسلم التحلي بدقة في تنفيذها دون أي تهاون فيها مع الالتزام بتقوى الله في كل خطوة كما يتعين عليه بعد إتمام الفريضة أن يحافظ على سيرته وسلوكياته ويبتعد عن المعاصي والذنوب التي قد تُبعده عن رضا الله عز وجل ويتميز الحج بأنه ليس مجرد عبادة روحانية تقرب العبد من ربه بل يمتد أثره ليشمل تغييرات إيجابية في حياة المسلم دينيًا ودنيويًا، فهو تجربة روحية ودروس عملية تؤثر على حياة المؤمن بشكل عميق.