هذا الدعاء يُعد من أعظم الأدعية التي تَرفع من درجات العبد عند الله عز وجل وتفتح له أبواب رحمة الله وكرمه، وذلك لما فيه من تعظيم لله سبحانه وشكر لنِعمه التي لا تُعد ولا تُحصى حيث إنّه ينبغي على المسلم أن يبدأ دعاءه بحمد الله تعالى والثناء عليه بما هو أهل له قبل طلب أي حاجة منه، لأن الله سبحانه هو مالك الخلق ومدبّر الكون ومَن أحسن خَلْق الإنسان وصوّره في أبهى وأجمل صورة بحكمته وعظيم قدرته.
نص دعاء الثناء على الله مكتوب
الدعاء يُعد من أعظم القُربات التي يتقرب بها العبد إلى ربه وينال بها رضا الله ورفع مقامه عنده، ومن الأمور العظيمة في الدعاء هو البدء بثناء العبد على ربّه بما يليق بجلاله وعظمته، فقد كانت هذه السنّة الحسنة اتباعًا لهدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يحرص دائمًا على ابتداء دعائه بحمد الله تعالى والثناء عليه بأسمائه وصفاته والصحابة رضوان الله عليهم اقتدوا بهذا الهدي الشريف وتكاملت عبادتهم بذلك، وهذا يدل على أهمية الاقتداء بسنة النبي صلى الله عليه وسلم في كافة شعائر الدين للظفر برضوان الله وشفاعة نبيه الكريم.
وقد تضمن كتاب الله عز وجل العديد من الآيات البينات التي تعلّم عباده كيفية تقديم الثناء على الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته الكاملة، وارتكزت السنة النبوية المباركة على بيان نماذج عظيمة من الأدعية التي تحمل في طياتها الثناء والحمد لله سبحانه، ومن أمثلتها:
- من أبرز أدعية النبي صلى الله عليه وسلم في الثناء قوله: اللهم ربنا لك الحمد أنت قَيّمُ السماواتِ والأرضِ ومَن فيهن ولك الحمد أنت ربُّ السماواتِ والأرضِ ومَن فيهن ولك الحمد أنت نورُ السماواتِ والأرضِ ومَن فيهن أنت الحق وقولك الحق ووعدك الحق ولقاؤك الحق متفق عليه، وهذا الدعاء يظهر مدى كمال الثناء على الله سبحانه وتعالى وتمام الإقرار بحقه.
- وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص على تكرار هذا الدعاء العظيم: اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شيء فالق الحب والنوى ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء اقضِ عنا الدين وأغننا من الفقر رواه مسلم، وهو من أنفع الأدعية التي يَسُن قولها عند النوم أو في أوقات الكروب.
- ومن الأحاديث النبوية الجامعة للأدعية التي تحمد الله وتثني عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم لك الحمد أنك الله الرحمن الرحيم أو لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك أو لك الحمد بالإيمان والإسلام والقرآن، وفي هذه العبارات تتجلى قيمة الامتنان لله تعالى على نعمه العظيمة والإقرار بجلاله وعظيم سلطانه.
- وجاء في السنة النبوية المطهرة أيضًا أدعية أخرى تحمل دلالات عظيمة في التوحيد والثناء، ومنها: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده، حيث يجتمع في هذا الدعاء إفراد الله بالملك والحمد والقدرة المطلقة والثناء الكامل عليه.
- ومن أجمل الآيات القرآنية التي تحمل الثناء على الله عز وجل وتعبر عن تفرده بملك السماوات والأرض قوله سبحانه وتعالى: قُلِ اللَّـهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وفي هذا السياق تتجلى قدرة الله وسلطانه المطلق على الكون كله.
- كما تبيّن آية أخرى عظمة أسماء الله وصفاته في قوله عز وجل: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، حيث تستعرض هذه الآية أسماء الله الحسنى وصفاته العظيمة التي تدعو المؤمن إلى استلهام قدسية الخالق.
- وقد خصّت سورة الإخلاص بذكر صفات الله عز وجل وتوحيده، حيث قال تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ وهذه السورة العظيمة تعكس وحدانية الله وسموه وعظمته المطلقة.
- وأيضًا في قوله عز وجل: بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ يظهر سلطان الله في خلق السماوات والأرض وحكمه المطلق النافذ على كل شيء.
- وجاء من صيغ دعاء الثناء التي وردت في القرآن الكريم قوله سبحانه وتعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، وتظهر هذه الآية أن الله متفرد في صفاته ليس كمثله شيء على الإطلاق.
أدعية مختارة للثناء على الله
لا يخفى على أحد أن الثناء على الله تعالى يُعد من أرفع وأحب العبادات التي يبدأ بها المسلم دعاءه حيث إن ذلك قد ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية وقد ثبتت فضائلها العظيمة لمن يُديم عليها فهي وسيلة للتقرب إلى الله سبحانه وتعالى والتعبير عن عظيم تقدير المؤمن لجلاله وكمال فضله سبحانه، وهو ما ينبغي على المسلم الحرص عليه لنيل رضا الله ورحمته.
- من أعظم أدعية الثناء على الله قولنا سبحانك يا رب خالق السموات والأرض ومبدع الخلق في أكمل صورة يا صاحب الجلال والإكرام يا مجيب الدعوات ومغيث من انقطعت بهم السبل أنت المستحق للحمد على نعمك التي لا تُحصى.
- يا خالق الخلق ومبدع الكائنات يا فاطر السماوات والأرض يا من يقول للأمر كن فيكون ولا حول ولا قوة إلا بك وحدك لا شريك لك لأنك العزيز الحكيم العليم بسرائر الأمور وعلام القلوب والنوايا.
- اللهم يا من أضاء بنورك السموات والأرض لك الحمد ملء السماوات والأراضين على نعمك التي لا تُعد ولا تُحصى أنت الرحمن الرحيم الشامل برحمتك الواسعة لكل مخلوقاتك لك الحق الكامل في عبادتنا وتوكلنا عليك وتسليم أمورنا إليك وإليك المصير.
- يا رب يا من تُحيي الأرض بعد موتها يا علام الغيوب يا معين المستعينين سبحانك مذل العسر وميسر الأمور سبحانك من فتحت علينا من علمك ما كنا نجهل سبحانك يا أرحم الراحمين يا من تحفظ الإنسان من كل شر لا يقوى عليه أحد إلا أنت وحدك.
- اللهم يا غافر الذنب وقابل التوبة والرحيم بكل عبد من عبادك ارزقني مغفرتك ورحمتك في كل وقت وحال لك الحمد والشكر دائمًا وأبدًا على كل نعمة يا صاحب الجلال والإكرام يا من تقضي الحاجات بكن فيكون حمداً ملء خلقك وبرضا نفسك وزنة عرشك وعظمة كلماتك التي لا حد لها.
- يا كريم يا مجيب من يدعوك ولو كان في ضيق يا أرحم الراحمين لك الحمد قبل الرضا وعند الرضا وبعد الرضا لأن كل الخير من عندك يا الله يا ملك السموات والأرض يا من بيده الخير كله والمغفرة والرحمة أنت صاحب الأسماء الحسنى والصفات العُلى.
- يا الله يا من خلقتنا وأحسنت خلقنا يا من مننت علينا بالكرم والنعم سبحانك ما عبدناك أنت حق عبادتك وإن عدنا إليك نستغفرك لأنك الحليم الغفور الرحيم.
- الحمد لله الذي لم يتخذ شريكًا ولا ولدًا الله الذي يملك كل شيء ويمنح ما يشاء الله أكبر يا أرحم الراحمين يا واسع المغفرة.
- سبحانك يا من أعطيت آدم العلم من عندك فهو فضل قدرتك وعلمك المكنون سبحانك لا نعلم شيئًا إلا بما علمتنا يا رب العالمين يا من بيده العودة النهائية نسألك عفوك ورضاك.
- يا رب لك الحمد ولك الشكر يا صاحب السموات والأرض نسألك بأسمائك الحسنى وبصفاتك العليا أن تغفر ذنوبنا وترحمنا يوم نقف بين يديك فإنك الغفور الرحيم.
- يا رب يا معين استعنّا بك يا من لا يعجزك شيء وأنت القادر على كل أمر سهل لي أمري وفرج كربي يا صاحب القدرة المطلقة التي جعلت المستحيلات ممكنة بإذنك وحدك يا عظيم.
أهمية وفضل دعاء الثناء على الله
الدعاء المقرون بعبارات الثناء على الله يحمل في طياته فضائل عظيمة تعكس عمق العلاقة الروحانية بين العبد وربه، فهو علامة على مدى التقرب إلى الله عز وجل وأحد أعظم العبادات المحببة التي تقوي الإيمان وترقق القلوب وتغني الأرواح بطاعة الرحمن، فمن يحرص على ذكر الله والثناء عليه باستمرار فإنه يتحقق من قربه من الله أما الغفلة عن هذا الأمر فهي تشير إلى الابتعاد عن المسار الصحيح الذي يجعل حياة الفرد أكثر طمأنينة واتزانًا.
الثناء على الله يعتبر شكلاً من أشكال العبادة التي أولاها النبي صلى الله عليه وسلم أهمية خاصة، فقد علم صحابته الكرام والمسلمين على مر الزمان قيمة الدعاء مؤكداً على ما ورد في الحديث الشريف الذي رواه أنس بن مالك عن الترمذي حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: الدعاء مخ العبادة
الانعكاسات الإيجابية للدعاء والثناء على الله تشمل تهدئة الروح وبث الطمأنينة في الصدر وتخفيف وطأة الهموم مهما عَظُمت، فمن يلجأ إلى الله مستشعراً عظمته وكرمه وقدرته يجد في ذلك سببًا لتفريج الكرب وحل العقد وتسهيل المعجزات في حياته، حيث إن التعبير عن مدح الله ومدحه هو تقوية مباشرة لعلاقة المسلم مع خالقه وشعوره برعاية الله له في كل تفاصيل حياته.
ومن الفضائل العظيمة لهذا الأمر أن الثناء على الله يرد غضبه عن عباده لأن الإعراض عن دعاء الله والتكبر عن طلب العفو والمغفرة يؤدي إلى غضب الله، وهذا ما أكده النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: من لم يسأل الله يغضبْ عليه
الالتزام بالدعاء جزء من طاعة الله واستجابة لأمره المباشر الذي دعانا فيه إلى عبادته والدعاء له بإخلاص، والتقصير في الدعاء يعد تركًا لعبادة عظيمة أمرنا الله بها، كما أشار إلى ذلك في قوله تعالى:
- وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ سورة الأعراف، الآية: 29
الدعاء يلعب دورًا مؤثرًا في تهذيب النفس وحمايتها من خصلة التكبر، تلك الصفة المكروهة التي نبذها الإسلام وتجنبها المؤمنون حيث كان الكبر صفة تميز الكافرين والمشركين الذين أنذرهم القرآن الكريم، كما في قوله تعالى:
- وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ سورة الأعراف، الآية: 60
من ناحية أخرى ارتبط الدعاء بالحكمة والعقلانية لدى المسلم لأن البعد عن الدعاء دليل على قلة الحكمة وضعف العزيمة، وهذا ما أوضحه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه قائلاً: أعجز الناس من عجز عن الدعاء، وأبخل الناس من بخل بالسلام
عندما يبدأ المسلم دعاءه بحمد الله والثناء عليه فإن ذلك يجعل دعاءه أكثر قبولًا واستجابة لأن الله يحب العبد الذي يعترف بفضله وقدرته ويثني عليه بما يليق بجلاله وعظمته.
الثناء على الله مع الدعاء هو سلاح كل ضعيف ومظلوم ومحتاج في مواجهة تحديات الحياة، فهو الملاذ الآمن الذي يشعر المسلم بالسكينة والقرب من الله عز وجل حتى في أشد الأوقات صعوبة وابتلاءً.