الله سُبحانه وتعالى قد شَرع لعباده الدعاء ليكون وسيلتهم للتقرّب إليه ومناجاته وأمرهم بأن يُخلصوا في دعائهم ويكونوا على يقينٍ برحمته وقدرته وأكد لهم بالإجابة بشرط الالتزام باليقين والثقة به جل وعلا. وقد أجمع أهل العلم أن هناك ضوابط وآدابًا يجب على المسلم التحلي بها عند قيامه بالدعاء لما لهذه الضوابط من أثرٍ عظيم في جعل الدعاء أكثر روحانية واستجابة لما يحمله من صدقٍ في العبادة والخضوع والخشوع بين يدي الله جل شأنه. ولا شك أن هذه الآداب لا يجوز التغافل عنها أو إغفالها بأي شكلٍ من الأشكال فهي تعكس جوهر عبودية الإنسان وتقربه من مولاه عز وجل.
تجربتي مع الدعاء المستحيل وتأثيره
مررت بمرحلة مليئة بالتحديات والصعوبات وكنت أحمل أمنية وحيدة وهي أن يكون لي نصيب في الزواج من شخص معين لكن كل الأمور كانت تبدو معقدة أمامي وكل الأبواب مغلقة وكأن العالم بأسره يقف عائقًا بيني وبينه جربت كل الطرق الممكنة لأحقق هذه الأمنية ومع ذلك كانت الصعوبات تواجهني بشكل مستمر زاد معها شعوري باليأس حتى وصل بي الحال لأن أفقد التركيز في عبادتي وأغفل عن تقربي لله سبحانه وتعالى.
في يوم من الأيام سمعت حديثًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكّر بفضل الصبر والطاعة حيث جاء فيه:
- إنك لن تدَعَ شيئًا اتَّقاءَ اللهِ إلا آتاك اللهُ خيرًا منه. المحدث : ابن عثيمين | المصدر : مجموع فتاوى ابن عثيمين | الصفحة أو الرقم : 263/20 | خلاصة حكم المحدث : صحيح.
- هذا الحديث كان بمثابة نقطة تحول في حياتي قررت حينها أن أترك كل شيء لوجه الله وأن أجاهد نفسي للتخلص من تعلقي بالأمر الذي كنت أريده رغم أنه كان يأخذ مساحة كبيرة من قلبي حاولت لفترة طويلة أن أبتعد عن هذا الحلم وأن أتقرب إلى الله بكل إخلاص وفي تلك اللحظات بدأت ألجأ لله بالدعاء أن يطهّر قلبي مما يشغلني عنه وأن يرضيني بما قسم لي وبعدها استوقفتني آية عظيمة من كتاب الله جعلتني أشعر بطمأنينة عميقة حيث قال الله عز وجل: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ.( البقرة: 186).
هذه الآية جعلتني أدرك عظمة الدعاء وإدراكي بأن الله قريب منا يسمعنا إذا لجأنا إليه بإخلاص جعلني أبدأ رحلتي مع الدعاء بما كان يبدو لي مستحيلًا كنت أتوضأ بنية خالصة وأقف متوجهة إلى القبلة لأرفع دعائي لله بصدق ويقين كنت أقول يا رب إن كان هذا الأمر خيرًا لي فقرّبه مني واجبر قلبي به وإن كان شرًا فاصرفه عني كنت متمسكة بدعائي بعد كل صلاة وموقنة بأن الله أعلم بما هو خير لي وشيئًا فشيئًا وجدت نفسي أكثر اطمئنانًا وبدأت أموري تتحسن.
مع الأيام أصبح قلبي أكثر تعلّقًا بالله وأقل انشغالًا بهذا الشيء الذي كنت أتمناه حتى جاء اليوم الذي سمعت فيه خبرًا عن الشخص الذي كنت أدعو الله أن يجمعني به وبعد وقت تحقق ما كنت أحسبه مستحيلًا تم زواجنا وكانت هذه اللحظة شهادة حقيقية على أثر الدعاء الخالص لله وعلى بركة الإيمان والتسليم لأمره سبحانه وتعالى.
حكم الدعاء بما يُعتقد أنه مستحيل
طرح عليّ أحد الأصدقاء سؤالاً حول حكم الدعاء بشيء يبدو مستحيلاً وتحديدًا عن دعاء يتعلق بتمني أن يصبح شخص ما زوجًا لي وأخبرني أن هذا قد يُعتبر سوء أدب مع الله عز وجل ولإزالة اللبس في المسألة قمت باستشارة أحد العلماء الموثوقين للحصول على إجابة دقيقة تطمئن قلبي وتوضح لي المسألة بشكل أفضل.
إن الأصل في الدعاء أن يكون العبد على وعي بأن الدعاء يدل على التوجه إلى الله سبحانه بما يُلائم سنن الله الطبيعية وحكمته حتى لا يُفسر كنوع من الافتراء أو التجاوز وهناك آراء لبعض العلماء ترى أن الدعاء بما يتنافى مع السنن الكونية الثابتة قد عده البعض سوء أدب مع الله لما فيه من جرأة زائدة لا تليق وقد استثنى العلماء من هذا الأنبياء وعباده الصالحين ممن يُمكن أن يُكرمون بأشياء استثنائية خارقة للعادة تكريمًا لمكانتهم لكن عامة المسلمين ينبغي عليهم أن يراعوا ألا تكون أمنياتهم وأدعية تتنافى مع حكمة الله سبحانه أو تخالف السنن التي أودعها في خلقه.
لا يجوز للمسلم أن يدعو بأشياء تتنافى مع طبيعة الحياة التي خلقها الله ولا يطلب ما يخالف ناموس الكون الإلهي مثل طلب الخلود في الدنيا أو دعاء بتحقيق معجزات خاصة به لأن هذه الأدعية تُعد تعديًا على ما يحبه الله ويقدره كما ينبغي أيضًا تجنب الدعاء بما يعارض الشِرعة الإلهية كطلب العون لتحقيق أمر محرم فهذا مخالف لشريعة الله أما الأمور الصعبة التي تبدو بعيدة المنال فمن الممكن أن يحققها الله سبحانه إذا شاء لأن كل شيء بيديه والمؤمن عندما يُصر على الدعاء فإنه يزداد إيمانًا وثقة بأن الله قريب من عباده مجيب لدعواتهم.
وقد أوضح الإمام ابن القيم أن أي دعاء يخرج عن حكمة الله أو يخالف شرعه يُعد اعتداء يعبر عن تجاوز حدود الدعاء المشروع كطلب أشياء تتنافى مع الفطرة التي خلقنا الله عليها أو الدعاء بتحقيق أمور تتعارض مع الحكمة الإلهية أما الشيخ ابن تيمية فقد بيّن أن الاعتداء بالدعاء يتمثل في طلب ما حرّم الله أو ما يخالف إرادته المطلقة مثل أن يطلب الإنسان العيش دون موت أو يطلب التخلص من احتياجاته البشرية كالأكل والشرب فإن هذه الطلبات تُعد من الأدعية المكروهة والتي لا تُقبل عند الله سبحانه.
أهمية الدعاء في حياة الإنسان
الدعاء يُعَدّ من أعظم العبادات التي تترك أثرًا بالغًا في حياة الإنسان، فهو يُمثل وسيلة التواصل المباشرة بين العبد وربّه، ويُضفي شعورًا عميقًا بالطمأنينة والسكينة على قلب المؤمن عندما يرفع يديه مُخلصًا ويرجو من الله ما يتمناه، إنَّ اللحظات التي يقف فيها العبد أمام الله متضرعًا تُشكِّل تجارب روحانية فريدة، ومما لا شك فيه أن الدعاء يُغيّر الكثير فينا قبل أن يُغيّر ما حولنا، ولقد كانت تجربتي الشخصية مع الدعاء من أعظم التجارب التي تعايشت معها، فعند مروري بمواقف كنت أراها مستحيلة الحل ورفعت كفي إلى السماء داعيةً بكل ما في قلبي، لم يكن الأثر مجرّد استجابة للدعاء فحسب، بل شعرت بالقرب العميق من الله وكيف أن الدعاء يعيد ترتيب النفس ويقوّي الصلة بالله عز وجل حيث أصبح الدعاء ملاذي في كل لحظة أحتاج فيها إلى السكينة أو أجد نفسي عاجزة أمام همٍّ ما، ومع مرور الوقت توثّقت علاقتي بربي وأصبح يقيني بقدرته على الإجابة أعظم من أي وقت مضى.
ما كنت أعلم في البداية مقدار الخير والبركة التي تطوق حياة من يحرص على الدعاء بصدق وإخلاص، ولكن مع التجربة أدركت أن الدعاء ليس فقط وسيلة لتحقيق الحاجات بل هو باب من أبواب الرضا والتسليم لله ولكني رأيت بركات تُحيط بي لم أكن أتوقعها أو حتى أتخيل أنني بحاجة إليها، وكيف أن الدعاء بحد ذاته عبادة تُقربنا من الله دون أن يكون لها سبب محدد، فالدعاء يشمل طلب الهداية والتوفيق بجانب الطلبات الدنيوية، وكلما زاد تمسكي بالدعاء زاد يقيني بأني لا أُخاطب إلا من يسمعني ويراني ويعرف حاجتي قبل أن أنطقها، وفي هذا الوقت شعرتُ بأنّ للدعاء أثرًا يتجاوز مجرد الإجابة، فهو يفيض راحة نفسية وطمأنينة في القلب ويجعل كل الأمور تبدو مُيسّرة ومن عجيب أثر الدعاء أنك كلما لجأتَّ لله بصدق وخشوع، شعرتَ باقترابك أكثر منه وتيقنتَ بأنك في معيته.
1- الدعاء يُعد عبادة عظيمة
الدعاء يُعدّ من أسمى العبادات التي يتقرّب بها العبد إلى ربّه وهو وسيلة عظيمة لالتماس الرحمة والمغفرة وطلب الرزق من الله عز وجل، فإن الله سبحانه وتعالى لا يكتفي بإجابة دعاء عبده فقط بل يكرمه ويجزى عليه بأفضل الأجور بما يتناسب مع جوده وكرمه اللامحدود.
- وضح النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك جليًا في قوله: الدُّعاءُ هوَ العبادةُ ثم استشهد بقول الله تعالى في القرآن الكريم: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ مما يُظهر بوضوح أن الدعاء ليس مجرد طلب بل هو عبادة متكاملة ترتبط بالخضوع لله سبحانه وتعالى وتُقرب العبد منه والمصدر في هذا الحديث وارد في صحيح الترمذي برواية النعمان بن بشير وقد أكد المحدث الألباني صحته.
- الدعاء لا يقتصر على كونه وسيلة لتقديم الطلبات بل يحتل منزلة عظيمة عند الله تعالى وهو إحدى الطرق التي تظهر افتقار العبد لربه واعتماده عليه في كل تفاصيل حياته، حيث قال النبي -صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: ليسَ شيءٌ أكرمَ علَى اللهِ من الدُّعاءِ ما يعني أن الإنسان كلما دعا ربّه زاده الله كرمًا وعطاءً من فضله الواسع وهذا الحديث رواه أبو هريرة وأشار المحدث الألباني في صحيح الترغيب إلى أن الحديث حسن.
2- الدعاء وسيلة لرفع البلاء
يُعَدُّ الدُّعاءُ من أعظم ما يلجأ به العبدُ إلى ربِّه للتقرب إليه وطلب الفرج والتيسير مما يواجهه من شدائد وابتلاءات، فهو عبادة عظيمة لها من البركات والأثر ما يشمل حياة الإنسان في الدنيا ويُؤثر في حسن مآله في الآخرة، وهذا المعنى ورده عن النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- حيث بيَّن بوضوحٍ أنَّ الدُّعاء يُغيّر ويمنع نزول البلاء فقال: لا يردُّ القضاءَ إلَّا الدُّعاءُ. [ref]الراوي: سلمان الفارسي | المحدث: الألباني | المصدر: صحيح الترمذي – الصفحة أو الرقم: 2139 | خلاصة حكم المحدث: حسن.[/ref]
3- الدعاء سبب لانشراح الصدر
الدعاء يُمثل الحل الأمثل لكل عقبة أو مشكلة قد يواجهها الإنسان وهو السبيل الذي يبعث السكينة في الروح ويمنح الطمأنينة للنفس لأن الشخص عندما يتوجه بقلبه إلى ربه ويدعوه مُخلصًا له بالدعاء فإنه يشعر بطمأنينة تغمر قلبه وبانشراح في صدره فالدعاء يسهم في تخفيف الأحمال النفسية ويزيح همومًا قد أثقلت الروح وغموماً قد أرهقت القلب الدعاء يُمد الإنسان بطاقة إيجابية كبيرة ويجعله يشعر بأنه قريب من الله سبحانه وتعالى ويعزز يقينه بأن الله يسمعه ويستجيب له فتتحول مشاعر الحزن والضيق إلى أمل ورجاء بالفرج والراحة.
4- الدعاء مصدر للنصر والثبات
يُعدُّ الدُّعاء من أعظم الوسائل التي يعتمد عليها المؤمنون لتحقيق النصر والثبات، وكان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام يلجؤون إلى الله بالدعاء في أوقات الغزوات والمواقف الصعبة، إذ كان الدُّعاء يُمثل وسيلة لتقوية قلوبهم واستمداد النَّصر من الله عز وجل، وهذا يتجلى في العديد من المواقف والآيات القرآنية، مثل قوله تعالى:
- وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [ref](البقرة: 250)[/ref]
لم يكن هذا الدُّعاء مجرد كلمات تُقال في تلك اللحظات وإنما كان ينبع من قلوب امتلأت بالإيمان العميق والثقة التامَّة بقدرة الله سبحانه وتعالى على تحقيق النصر وعونه لعباده المؤمنين، وقد أجاب الله سبحانه دعاءهم وحقق لهم النصر المبين، ويتضح هذا في قوله عز وجل: فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ … [ref](البقرة: 251)[/ref]
5- الدعاء يُعد سلاحًا للمظلومين
يُعَدُّ الدُّعَاءُ مِنْ أَقْوَى الوسائِلِ الَّتِي يَسْتَطِيعُ الْمَظْلُومُ اللُّجُوءَ إِلَيْهَا لِرَفْعِ الظُّلْمِ، فَهُوَ أَدَاةٌ فَعَّالَةٌ وَسِلَاحٌ عَظِيمٌ بِيَدِ كُلِّ مَنْ عَانَى الظُّلْمَ، وَقَدْ أَكَّدَ الرَّسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى أَهَمِّيَّتِهِ وَتَأْثِيرِهِ الْعَظِيمِ فِي حِدِيثِهِ الشَّرِيفِ حِينَ ذَكَّرَ مَعَاذَ بْنَ جَبَلٍ بِخُطُورَةِ دَعْوَةِ الْمَظْلُومِ وَحَقِّهَا فِي الْتَّوَصُّلِ إِلَى اللَّهِ بِدُونِ وَاسِطَةٍ، فَقَالَ: “اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ”، و الْمَعْنَى الْمُرَادُ فِي الْحَدِيثِ يُوضِّحُ أَنَّ دَعْوَةَ مَنْ تَعَرَّضَ لِلظُّلْمِ تَصِلُ إِلَى اللَّهِ مُبَاشَرَةً بِدُونِ أَيِّ حَوَاجِزَ أَوْ مُعَوِّقَاتٍ مِمَّا يَجْعَلُهَا قُوَّةً مَدْرُوسَةً يَسْتَعِينُ بِهَا الإِنْسَانُ فِي النِّضَالِ مِنْ أَجْلِ الْحَقِّ وَضِدِّ الْبَاطِلِ.
الرَّاوِي: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ | الْمُحَدِّثُ: الألباني | الْمَصْدَرُ: صَحِيحُ الترمذي | الصَّفْحَةُ أَوْ الرَّقَمُ: 2014 | خُلاصَةُ حُكْمِ الْمُحَدِّثِ: صَحِيحٌ.
تصنيفات الدعاء
لأنَّ الدعاء يترك تأثيرًا قويًا في حياة الإنسان وتظهر نتائجه بشكل ملموس في أكثر المواقف أهمية في الحياة، أردت مشاركة ما تعمقت فيه وفهمته عنه ليصبح لدي وعي أكبر بقيمته وأثره الإيجابي، فمن خلال استكشافي لما يتعلق بالدعاء وما يحمله من فوائد عديدة لا يمكن الإحاطة بها، أدركت أنه مُقسّم إلى أقسام ذات جوانب مختلفة وكل منها يحمل خصائصه وأبعاده التي تُعزز من أهمية الدعاء وتضاعف من تأثيره، وذلك يجعل من معرفة هذه الأقسام ضرورة للفرد ليتمكن من توظيف الدعاء بوعي أكبر في مختلف شؤون حياته وأهدافه.
1- دعاء يرتبط بالعبادة
دعاء العبادة يُشير إلى كل ما يقوم به الإنسان من أعمال وعبادات تقرّب العبد إلى ربّه، ساعيًا لرضاه سبحانه سواء كانت هذه الأعمال ظاهرة يراها الناس مثل أداء الصلاة وإخراج الصدقة أو كانت خفية بين العبد وخالقه مثل الإخلاص لله في النية والخشوع في القلب، وقد اتفق العلماء على أن دعاء العبادة يتّسع ليشمل كل ما يفعله الإنسان بنيّة التقرب إلى الله جلّ وعلا سواء كان علنيًا ومشهودًا أو مستترًا في أعماق القلب حيث ينبع من الإيمان العميق والنية الخالصة.
2- دعاء يتعلق بالمسألة
دعاء المسألة يُعدّ أحد أنواع الأدعية التي يكون فيها القصد هو الطلب من الله عز وجل لتحقيق حاجة معينة أو لإزالة هم أو مصيبة يمر بها الإنسان مثل الدعاء بالرزق أو التفريج عن الكربات أو ما يشابه ذلك من أمور دنيوية.
وقد عرّفه العلماء بأنه الدعاء الذي يتوجه فيه العبد إلى ربه بطلب ما ينفعه أو رفع ما يضرّه من مصائب أو ابتلاءات تعترض طريق حياته.
ومن عظيم كرم الله سبحانه وتعالى ورحمته الواسعة بعباده أنه يستجيب للدعاء بكل أنماطه وأشكاله سواء كان العبد يطلب أمورًا دنيوية تخص احتياجاته أو كان دعاؤه بهدف نيل رضا الله والتقرب منه بالطاعات والعبادات.
وقد أورد الشيخ السعدي رحمه الله توضيحًا لهذه الحقيقة حيث ذكر أن جميع الآيات التي وردت في القرآن الكريم ونصّت على الدعاء، سواء كان الأمر فيها بالدعاء أو النهي عن دعاء غير الله أو تلك التي امتدحت الداعين، تشمل نوعين من الدعاء وهما دعاء المسألة ودعاء العبادة، مؤكداً أن هذين النوعين مترابطان لا يُمكن فصل أحدهما عن الآخر فكل منهما يكمل الآخر ويعززه.
ومن أسمى ما يميز الدعاء هو أنه يمنح العبد فرصة للتواصل المباشر مع الله عز وجل دون الحاجة إلى وسيط أو حاجز يشعر فيها العبد بالقرب الحقيقي من ربه يعبر بصراحة عن مشاعره وأسراره وهمومه دون تردد أو خوف لأنه مطمئن أن الله مُطّلع على خفايا النفس وجابر للقلب وواسع العطاء والرزق بغير حدود.