يَا رب في هُدوء الليل نناجيك بِكُل يقين وندعوك اللهم إنا نعْتَصِمُ بِكَ من الهموم والأحزان ونسألك اللهم أن تُفرِّج عَنَّا كل ثِقلٍ يُثقل قلوبَنا وتُزيل عَنا كل ضيق يُربِك أرواحنا وتُبْعِد عَنا كل خوف يهدُّ من قُوانا وَهذا الدُّعاء يُعبِّر بأصدق عبارة عن اللجوء إلى الله في لحظات الإنسان التي يحتاج فيها إلى العون والتّثبيت حينما تُواجهنا الحياة بصعابها ومآسيها وأوجاعها التي قد تهزُّ أعماقنا وَلا يوجد ما هو أَقوى من أن تُرفع الأيدي إلى الله لتُناجيه بعُمق الصّدق وتسأله الرَّاحة والفرج فهو القادر الذي يسمع كُل دعاء ويطّلع على كُل ما يخفى فيك.
الدُّعاء ليس مُجرَّد كلمات تُقال وإنما هو صِلَة بين العبد وخالقه تنطلق من القلب لتخترق سَماء هذه الدُّنيا وصولاً إلى رحمة الله وعطائه وَفي صِيغَة هذا الدُّعاء نَجد فيه استعاذة من كُل همٍّ يُنغِّص الحياة واستغاثة للنجاة من آلام الحزن التي تُثقل النفوس وبه شعور عميق بالأمل في أن الله هو الملاذ عند كُل ضيق وكُل وَجع وَفيه الطمأنينة التي تملأ القلوب وتُضيء الأرواح وَمهما كان سواد الأيام أو تَقلُّباتها يبقى الدُّعاء هو النور الذي يُضيء مَتاهات الضعف والإضطراب وهو الطريق الإلهي الذي فتحه الله أمام من يلجأ إليه بصدقٍ ويقين.
دعاء اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ في أدعية السُنة
تُعَدُّ الفترة الأخيرة من الليل من أعظم الأوقات التي يتحرّى فيها المسلم البركة والرحمة حيث تُفتح أبواب السماء للمتضرعين والراجين قُرب الله خاصةً وأنها وقت نزول الله سبحانه وتعالى إلى السماء الدنيا وهو وقت استجابة الدعاء الذي يشعر فيه العبد بالسكون والإيمان ويجد نفسه أكثر قربًا للخالق عز وجل وقد أوضح النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أهمية هذا الوقت ودعوة الله سبحانه وتعالى لعباده إلى مناجاته وسؤاله بأوضح صورة من خلال حديث شريف رُوي عن الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه وجاء في صحيح البخاري ومسلم وأبي داوود والترمذي:
- “لولا أنْ أشُقَّ على أُمَّتي؛ لأَمَرْتُهم بالسِّواكِ عندَ كُلِّ صَلاةٍ ولأخَّرتُ العِشاءَ إلى ثُلُثِ اللَّيلِ الأوَّلِ فإذا مَضى ثُلُثُ اللَّيلِ الأوَّلُ هَبَطَ الربُّ جَلَّ ثناؤُه إلى سَماءِ الدُّنيا فلم يَزلْ هنالك حتى يطلُعَ الفَجرُ يقولُ قائِلٌ: ألَا سائِلٌ يُعطى ألَا داعٍ يُستجابُ له ألَا سَقيمٌ يَستَشْفي فيُشْفى ألَا مُذنِبٌ يَستغفِرُ فيُغفَرُ له؟” [صحيح المسند].
- وفي هذا الحديث الشريف نجد توجيهًا كبيرًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهمية اغتنام هذا الوقت في العبادة والدعاء وطلب المغفرة والرحمة من الله عز وجل وهو الوقت الذي يُلهم فيه الإنسان الاطمئنان ومن أجمل الأدعية التي يمكن أن يتكرر الدعاء بها خلال هذا الوقت المبارك اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل وغلبة الدين وقهر الرجال حيث يجمع هذا الدعاء بين معاني الاستعاذة من كل ما قد يؤرق حياة الإنسان ويُنقص من راحته أو يُثقل عليها فيتعلم من خلاله الاعتماد على الله والثقة في العطاء الإلهي والفرج القريب.
أذكار الليل وأدعية المساء المأثورة
الأدعية التي تُقال في جوف الليل المبارك وفي ساعات المساء لا حدود لها وهي باب مفتوح لكل عبد يناجي ربه بما يريد ويدعوه بما تفيض به نفسه من حاجات وهموم ورجاء وإليك مجموعة من الأدعية المأثورة التي يردّدها كثير من الناس في هذا الوقت العظيم طلبًا للعون والسداد من الله والتخفيف من ثقل المصاعب والآلام:
- اللّهم إن كان رزقي بعيدًا فقرّبه لي وإن كان موقوفًا في السماء فأنزله إليّ وإن كان في الأرض فاجعله في طريقي يا الله أنت أنت ملاذي ووحدك رجائي لا ملجأ لي ولا مفرّ إلا إليك أعوذ برحمتك وأطلب منك ألا تحرمني رزقك ولا تطفئ في قلبي نور أملك.
- اللّهم بارك لي فيما وهبتني من سمعي وبصري وصحتي وديني وكل مقومات حياتي يا الله أجرني من الفقر ومن الوقوع في الكفر ومن فتن الدنيا وفتنة القبر وأحمي نفسي وروحي باسمك العظيم الذي لا يُضام لأنك أنت وحدك المستحق للعبادة وأنت الذي تُطلب منه المنة والعطاء.
- اللّهم لا أرجو شيئًا في هذه الحياة إلا عفوك ورحمتك وعافيتك لي في الدنيا والآخرة يا حيّ يا قيوم برحمتك أغثني وبقدرتك أصلح لي شأني كله دبر لي أمري واسلك بي طريق الخير لأني أعترف بعجزي وضعفي أمام تدبير أموري وحدي فاكتب لي النجاح والهداية فيما تحب وترضى.
- اللّهم أحفظني من الشرّ الذي قد يفاجئني من أمامي أو من خلفي ومن يميني أو شمالي وأعذني من أي سوء قد يأتي من كل جانب يا الله اجعلني في معيتك وفي حفظك وأمدني كما أمددت الأولين والآخرين بكرمك ورحمتك واختم لي ولأهلي بخير أعمالنا وقلوبنا.
- اللّهم مع مقدم هذا المساء الجميل أذكرك وأشهد أنك مالك السموات والأرض وكل من فيهما لكل شيء منك وإلى كل شيء يعود إليك اللّهم إني أسألك خير هذا المساء وكل ما جلب فيه من خير وأعوذ بك من شر ما فيه ومن شرور الليالي والأيام وأتوسل إليك بكلماتك التامة وأسمائك الحسنى اللهم اجعل هذا الوقت بارقة نور أستضل بها من كرب الدنيا وثقل الآخرة واحمني وبارك لي فيما بين يدي وخلفي.
أروع أدعية المساء اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ
ما أروع أن تجد في وقت الليل هدوءًا تملأه السكينة وانت تجلس بين يدي الله سبحانه وتعالى تذكره وتدعوه بما تشاء وهذا الوقت يُعَدُّ من أفضل أوقات القرب إلى الله عزّ وجلّ ويجعل الإنسان يرتبط بربه بشكل أعمق وعندما تكمل عبادتك اليومية وتقرأ ما تيسر لك من آيات القرآن الكريم فإن قيام الليل هو تطبيق عملي لقرب النفس من الله وهو ما نصحنا به رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وقد ورد عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم حديث شريف يُبرز عظمة هذه العبادة كما جاء عن أبي الدرداء:
- عليكمْ بقيامِ الليلِ فإنَّه دأبُ الصالحينَ قبلكمْ و قربةٌ إلى اللهِ تعالى ومنهاةٌ عنِ الإثمِ وتكفيرٌ للسيئاتِ ومطردةٌ للداءِ عنِ الجسدِ. [صحيح المسند].
ويعتبر قيام الليل عبادة عظيمة تُظهر إخلاص العبد لله حيث يترك نومه وراحته فقط من أجل الوقوف بين يدي خالقه في الوقت الذي يغلب فيه السكون على العالم من حوله والله جل وعلا يعلم جيدًا مدى تعبك وحاجتك للراحة ولكنه يكرمك ويستجيب لدعواتك ويجازيك خيرًا على نيتك الصادقة وحرصك على القرب منه لهذا إذا كنت تبحث عن الأدعية التي تناجي الله بها خلال هذه اللحظات المباركة إليك بعضها:
- اللهم في هذه الليلة المباركة صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وارزقنا شفاعته يوم الدين اللهم ابعد عنا هموم الدنيا وقهر الرجال وغلبة الدين واجعلنا من عبادك الصالحين اللهم قنا شر الكسل والعجز واجعل حياتنا مليئة بالرضا والسعادة بعيدًا عن طريق الحزن والتعاسة.
- اللهم أنت حسبي ونعم الوكيل أسالك بنورك الذي ملأ أركان عرشك أن تسدد خطاي وترشدني إلى السبيل القويم اللهم اكشف الضر عني ويسر لي أمري واملأ قلبي بالاطمئنان واختر لي الخير فيما قسمت ووفني لما تحب وترضى في جميع أموري يا أرحم الأرحمين.
- اللهم يا واحد يا أحد يا صمد يا من ليس له ولد ولم يولد اجعل خاتمتي حسنة واجعل خير أيامي يوم لقياك اللهم لا تحرمني من النظر إلى وجهك الكريم واجعل حياتي طريقًا إلى جنتك واغفر لي ذنوبي برحمتك وكرمك يا واسع المغفرة.
أجمل صيغ الدعاء المستحبة في أوقات المساء
التوجه بالدعاء والثناء على الله سبحانه وتعالى يُعد من أعظم وسائل القرب منه ومن أكثر العبادات التي تُظهر خضوع العبد لربه وحبه الصادق وتعلق قلبه بربه ورغبته الملحة في طلب الخير منه مهما بلغ أمله ومهما كان حلمه وفي السنة النبوية أوضح لنا نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أن الدعاء يبدأ بتمجيد الله وثنائه بما يستحق والصلاة والسلام عليه وبعد ذلك يهمّ العبد بطرح حاجته ورغباته بين يدي الله ومن أجمل صيغ الدعاء والثناء التي يمكنك الاستعانة بها:
- يا الله إنني إذ عصيتك لم يكن ذلك تكذيبًا بقدرتك ولا جحودًا بربوبيتك ولكن ضعف نفسي غلبني وهوانها جعل الخطأ مني أغلب وأنت تعلم يا الله أنني لم أستخف يومًا بوعيدك أو أوامرك ولكن ذنوبي كانت ثقيلة وضعفي أقسى يا أرحم الراحمين يا من مطلع على قلبي بسط لي عفوك وساعدني على ردع نفسي يا كريم.
- يا الله أنت غنيٌّ عن عبادتي ومحبتك في قلبي تزداد ولو كانت أفكاري وسلوكي قد تباعد قليلًا عن التعبير عن هذا الحب يا رب إنني أعلم إن لم تقف بجانبي بعفوك وتهدي طرقي فلن أجد لنفسي سبيلًا يُرشدني إليك يا جواد سهل أمري وأخرجني من ظلمات الجهل والضلال يا هادي القلوب لا تدعني أسير إلى ما يبعدني عنك أو يؤدي بي إلى البؤس والظلم.
- يا رب أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء وبركات عفوك الذي لا يعرف حدود يا من زرعت في قلوب عبادك حرارة الإيمان مهما بلغ يأسنا أو تخاذلنا أبواب رحمتك هي ملاذنا وآمالنا معقودة بدعائك يا الله أرجوك أن تُصلح حالي وتجعل الخير من نصيبي وأن تُبعدني عن كل ما يضرني أو يُشغل بالي فتجعل الأمان والسكون عنوان أيامي.
- يا رحمان لقد خلقتنا بحكمتك وأسبغت علينا من فضلك نحن لا نملك حولًا ولا قوة إلا بك وكل نعمة تنعمت بها أبداننا وأرواحنا هي عطايا منك يا رؤوف يا من تعفّ عن عباده وتُعلي شأن عبادك المؤمنين اجعل لطفك ورحمتك حصني وظلني بعفوك وأزل أعباء ذنوبي واغفر لي كل ما ارتكبته من آثام بإرادتي وفوق إرادتي يا كريم أنت الرحيم ولا شيء يُحيي الروح ويدفع عنها إلا وعدك.
دعاء جوف الليل الوارد في سُنة النبي
كان نبيُ الإسلام صلى الله عليه وسلم دائم الحرص على القيام والتهجد في ساعات الليل حيث كان يقف خاشعًا بين يدي الله يدعوه ويرجوه بإخلاصٍ عظيم رغم كونه نبيًا معصومًا قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وكان هذا الاهتمام ينبعث من شدة شكره لله عز وجل على نعمة الاصطفاء بالرسالة العظيمة ومن قوة يقينه بأهمية التقرب لله وهذا السلوك كان درسًا خالدًا للبشرية يوضح كيف يمكن للإنسان أن يَسعى لرضا ربه ويتطلع لمغفرته وقبوله حيث نجد في أدعية النبي وعبادته جذورًا تُعرّفنا بطريق القرب من الله وحسن الصلة به.
ومن أبرز الأمثلة على أدعيته صلى الله عليه وسلم ما نُقِلَ إلينا عن ابن عباس رضي الله عنهما وهو ابن عم النبي وصحابي جليل عاصر تفاصيل حياته وشارك في نقل سنته حيث قال:
- كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا تَهَجَّدَ مِنَ اللَّيْلِ قالَ: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لكَ الحَمْدُ أنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ ولَكَ الحَمْدُ أنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ والأرْضِ ومَن فِيهِنَّ ولَكَ الحَمْدُ أنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ ومَن فِيهِنَّ أنْتَ الحَقُّ وقَوْلُكَ الحَقُّ ووَعْدُكَ الحَقُّ ولِقَاؤُكَ الحَقُّ والجَنَّةُ حَقٌّ والنَّارُ حَقٌّ والسَّاعَةُ حَقٌّ اللَّهُمَّ لكَ أسْلَمْتُ وبِكَ آمَنْتُ وعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وإلَيْكَ خَاصَمْتُ وبِكَ حَاكَمْتُ فَاغْفِرْ لي ما قَدَّمْتُ وما أخَّرْتُ وأَسْرَرْتُ وأَعْلَنْتُ وما أنْتَ أعْلَمُ به مِنِّي لا إلَهَ إلَّا أنْتَ [مُتفقٌ عليه].
كما ورد في سنته صلى الله عليه وسلم أمثلة أخرى تُبرز روعة أدعيته ومنها ما كان يردده عندما يأوي إلى فراشه حيث جاء ذلك عبر الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه الذي خدم النبي واقترب منه وأخذ عنه الكثير من العلم فذكر:
- كان رسولُ اللهِ – صلَّى اللهُ عليه وسلَّم – إذا أوَى إلى فراشِه قال: اللَّهمَّ ربَّ السَّماواتِ وربَّ الأرضِ وربَّ كلِّ شيءٍ فالقَ الحبِّ والنَّوَى مُنزِلَ التَّوراةِ والإنجيلِ أعِذْني من شرِّ كلِّ ذي شرٍّ أنت آخِذٌ بناصيتِه أنت الأوَّلُ فليس قبلك شيءٌ وأنت الباطنُ فليس دونك شيءٌ وأنت الظَّاهرُ فليس فوقك شيءٌ اقْضِ عنِّي الدَّينَ وأغْنِني من الفقرِ” [صحيح المسند].
هذه الأدعية وغيرها التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم تحمل بين طياتها معاني عظيمة ودروسًا روحية تُرسّخ فينا كيفية تعزيز الصلة بالله جل وعلا حيث يظهر فيها الخضوع المطلق والحمد الصادق والتعظيم للخالق الذي لا نصير للعبد سواه في جميع حالاته من فرح أو كرب فلا مسلك له سوى أن يلجأ إلى الله بلسانه وقلبه ليجد العون والرحمة والمغفرة.