استجابةُ الدعاءِ وأفضلُ الأوقاتِ التي يُستحبُّ فيها الدعاءُ هي مما جاء به الشرعُ الحكيمُ واحتفى بأهميته مثلما قال اللهُ عز وجل في مُحكم كتابه الكريم: “وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ” فالدعاء هو وسيلةٌ عظيمةٌ للتقرُّب إلى الله وطلبِ رحمته ومغفرته وقد بيّن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم مكانة الدعاء حين قال: “ليس شيءٌ أكرمَ عندَ اللهِ تعالى من الدُّعاءِ”.
ولعلَّ هناك مَن يُكثرون من الدعاء بقلبٍ مُخلصٍ ولسانٍ صادقٍ لكنهم قد يشعرون أحيانًا بأن استجابتهم تتأخر، وهنا يستوجب الأمرُ النظرَ في شروط الدعاء وأسبابه وموانعه، فبعض المفاتيح والإيمان بأقدار الله قد تكون مما يعين على ذلك، كما أن هناك أوقاتًا معينةً أفضى الشرع بفضلها للابتهال والتقرب مثل أوقات السَّحر وآخر الليل وما بين الأذان والإقامة فأوقات البركة هذه تحمل عميقَ الأثرِ لتقبُّل الدعاء ورحمة الله على العباد.
دعاء عن الصلاة:
اللَّهُمَّ يَا رَبَّنَا اهْدِ كُلَّ مَن تَهاوَنَ فِي صَلاتِه وأخِذْ بِيَدِه لِلطَّرِيقِ المُسْتَقِيمِ جَاعِلًا قَلبَهُ مُبْتَهِجًَا بِنُورِ عِبَادَتِكَ وفَرَحًا بِقُرْبِكَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْ العابِدِينَ المُقْتَدِينَ الَّذِينَ يَسِيرُونَ عَلَى دَرْبِ الهُدَى وارْشِدْهُ بِرَحْمَتِكَ إِلى الصَّلَواتِ الْمَفْرُوضَةِ ودَرَجاتِ الإِيمَانِ اللَّهُمَّ اطْرَحْ فِي قَلْبِه حُبَّ الصَّلاةِ وَالإِقْبَالَ عَلَيْكَ بِكُلِّ وِجْهَةٍ واصْرِفْ عَنْهُ الحَوائِلَ الَّتِي تَمنَعُه من تَأْدِيَتِها وَرُدَّهُ إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلاً.
دعاء عن الصدق:
رَبِّي إِنِّي أَسْأَلُكَ يَا أَعْلَمَ العَالِمِينَ كُلَّ خَيْرٍ مكتوب أَنْتَ بِهِ عَلِيمٌ وأعوذُ بِكَ مِنْ شَرٍّ لَمْ أُدْرِكْهَا أَنْتَ بِهَا خَبِيرٌ رَبِّي ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى طَرِيقِ صِدْقِكَ وألهِمْنِي الثَّبَاتَ عَلى دِينِكَ مُتَمَسِّكًا بِحَبْلِ الإِيمَانِ الصَّرِيحِ وسَاخِطًا عَن البَاطِلِ وَرَّحْمَتِكَ الَّتِي غَمَرْت كُلِ عَامِلٍ بِذُولٍ، واجْعَلْنِي صَاحِبَ أَعْمَالِ أَصِيلَةٍ تُزَكِّيني فِي دُنْيَايَ وَتَرْضَى عَنِّي وَتُقَرِّبْنِي إِلَيْكَ يَا حَنَّانُ يَا مَنَّانُ.
دعاء عن الصبر وجبر الخواطر:
رَبِّي فَالقَ السَّمَاوَاتِ يَا شَامِلَ الرَّحْمَةِ اغْمُرْ صَدْرِي بِبَرَكَتِكَ لِيَغْمُرَني الزُّهْدُ وامْحُ أَوْجَاعِي التِي تَسْبِبُ لِي ضِيقًا، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ صَالِحِي الَّذِينَ أُثِيبُوا عَلى صَبْرِهِم وجابوا بالبَلَاِء خَيُر وَارْحْمْنِي مَعَ المُتَابِينَ الرَافِعِينَ أَيْدَيَهُم وأبْعِدْ قَلَقِي واسكني فِي حَرَسِكَ الَّذِينَ كَنت أفْضَلهم وأبْدِلْ فَرَجِي بَعد غَمَايَ.
دعاء عن الهم والضيق:
اللَّهُمَّ الَّذِي قَدَرِهِ أَكْبَرُ كُلِّ تَفَصِيلِ وصَبْرِي فِي مَخَاضِ خَوضي عِوْضاً الَّذِي صَبَاتِي لا يُضَاءُ اللَّهُمَّ اجْعَلْ لِي طَرِيقاً إِلَى الرِّضْوَان كما وَعَدَتِي انْ تَبْدُل حُزْنِي فَرَحْ.
معني الدعاء
يُعَدُّ الدعاء من الأعمال التي يَقوم بها الإنسان لتوجيه قلبه ونفسه إلى الله سبحانه وتعالى من أجل طلب تحقيق أمانيه ورغباته، وهو من أعظم العبادات وأبرز الشعائر الإيمانية التي تُجسِّد العلاقة الوطيدة بين العبد وربه، حيث يكون الدعاء نابعًا من قلب مُفعَم بالإيمان ومليئًا بالثقة المُطلقة في قُدرة الله عز وجل، مرفوقًا بنية صادقة وخالصة تُعبِّر عن توجُّه النفس بإخلاصٍ تامٍ إلى الله جل جلاله.
مفاتيح استجابة الدعاء
النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة” وهذا دليل على أن اليقين بقدرة الله سبحانه وتعالى يُعتبر شرطًا أساسيًا لينال المسلم استجابة دعائه بحيث يتوجب على المسلم أن يمتلك في داخله ثقة مطلقة بأن الله قادر على تحقيق ما يدعو به مع الراحة النفسية والاطمئنان القلبي لأن الله يحب أن يدعوه عبده بإيمان تام وثقة بأنه وحده القادر على تلبية كل ما يسأله العبد ويحقق له ما يرضيه ويعلي منزلته.
الخشوع لله تعالى
- المسلم حين يدعو الله يجب أن يكون في حالة من الخضوع الكامل لله، فيبتعد تمامًا عن مشاعر الغرور أو الغفلة ويأتي إلى الله بقلب حاضر وخشوع تام لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله لا يستجيب إلى قلب غافل” وبالتالي فإن استشعار العبد لعظمة تجربة الدعاء وتقديره لهذا الموقف الروحاني يجعله أكثر قربًا من ربه وأعلى فرصة لاستجابة دعائه فلا بد أن يتهيأ تمامًا ليكون في حالة روحانية خالصة عند مناجاته لله عز وجل.
الإكثار من الاستغفار
- الاستغفار هو واحد من المفاتيح التي تفتح للعبد أبواب الرحمة والخير فإذا استغفر العبد باخلاص نال القبول من ربه واستجاب الله لدعواته فالاستغفار يُطهّر قلب المسلم ويُقرّبه من الله مما يجعل الطريق إلى قبول الدعاء مهيئًا بشكل كبير وهذا يرجع إلى أن الله يُحب عبده الذي يستغفر ويعترف بخطئه ويتوب إليه بصدق مما يجعل هذا الاستغفار بابًا واسعًا لاستجلاب الخير والاستجابة.
الدعاء دائمًا باسم الله
- يجب على المسلم أن يتيقن بأهمية دعوته بأسماء الله الحسنى حيث أن كل اسم من أسماء الله يعكس صفة من صفاته العظيمة ولذلك فإن دعاء المسلم لله باسمه الذي يناسب حاجته مثل “يا كريم” أو “يا سميع” من أهم الوسائل التي تُسرّع استجابة الدعاء لأن الله وعد عباده بأن من دعاه بأسمائه الحسنى أجابه وأكرمه بما يدعو به ولأن الأسماء الحسنى تُجسد رحمة الله وفضله اللامحدود فإن الدعاء بها يمنح القرب ويُعزّز الأمل.
الإحسان والصدقة
- الإحسان إلى الخلق والصدقة هما طريقان لتقريب العبد من ربه واستجلاب الخير واستجابة الدعاء فالرسول صلى الله عليه وسلم أوضح لنا أن الصدقة تطفئ غضب الله وأن الله سبحانه وتعالى يُحب عبده المحسن الذي يُعين الناس ويتصدق بماله لينال رضا ربه لأن من يعطي من ماله ويفعل الخير للآخرين يُفتح له باب استجابة الدعاء ويصبح محاطًا برحمة الله مما يجعله أقرب إلى القبول والفلاح في الدنيا والآخرة.
موانع استجابة الدعاء
توجد موانع عديدة قد تحول دون استجابة الدعاء، ومن المهم أن يكون الإنسان واعيًا بأن الأسباب ترتبط ارتباطًا وثيقًا بكيفية سير حياته وأفعاله اليومية، إذ إن إجابة الدعاء تتطلب من العبد الالتزام بطاعة الله تعالى والابتعاد عن الأمور التي تحول دون استجابة دعائه، ومن أبرز هذه الموانع:
- حين تكون حياة الإنسان مليئة بالأمور المحرمة كتناول الطعام أو الشراب أو ارتداء اللباس من مصادر غير مشروعة، فإن ذلك يؤثر بشكل مباشر على استجابة الدعاء، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “أطب مطعمك تكن مستجاب الدعاء”، مما يعني أن على المسلم أن يحرص على أن يكون كل ما يدخل جسده من رزق حلال، فالحرص على الحلال يجلب البركة ويمنح التوفيق.
- هناك من يضجرون بسرعة أو يستعجلون في استجابة دعائهم حين لا تتحقق أمانيهم بالوقت الذي يرغبونه، مما يمنع البركة من الوصول إليهم، إذ إن الله سبحانه وتعالى حكيم في توقيت استجابة الدعاء، وتتطلب الإجابة صبرًا عميقًا وإيمانًا بأن الخير محقق في الوقت الذي يراه الله مناسبًا، لذا لا ينبغي أن يتوقف العبد عن الدعاء بسبب شعوره بطول الانتظار.
- الإهمال في أداء العبادات التي أوجبها الله، كالصلاة والصيام وإخراج الصدقات، يؤثر بشكل كبير على علاقة العبد بربه، فهذه العبادة هي الأساس المتين الذي يقوم عليه القرب من الله، والإهمال فيها يمكن أن يكون عائقًا أمام إجابة الدعاء، لأن الطاعات هي المفتاح الرئيسي للتقرب من الله ولمعرفة الخير والبركة في الحياة.
- الدعاء بأمور تغضب الله أو التي تحمل في طياتها الإثم وقطع الأرحام يُعد سببًا مباشرًا في عدم استجابة الدعاء، فقد وضح النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: “ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها”، مما يدل على أن نوعية الدعاء والنية السليمة لهما دور كبير في تحقيق الاستجابة.
- ممارسة المحرمات وارتكاب الذنوب والمعاصي تُعد من أبرز الأسباب التي تحول دون قبول الدعاء، فالله سبحانه وتعالى يأمر عباده بالالتزام بطاعته واجتناب ما نهى عنه، وعلى المسلم أن يكون متيقظًا لأفعاله وسلوكياته ويسعى لأن تكون حياته مبنية على الالتزام بأوامر الله ومحاربة المعاصي، فبهذا يتحقق التقرب من الله وتتحقق الأمنيات والدعوات مع الحياة المليئة بالرضا والتوفيق.
أوقات يستحب الدعاء فيها
أوقات يُستحب الدعاء فيها تُعتبر من الأوقات التي يرجى فيها استجابة الله لعباده لما فيها من فضل وبركة خاصة:
- عندما يقول المسلم “لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين” ثلاث مرات ثم يدعو بما يشاء فإن الله سبحانه وتعالى يستجيب لمن يدعو بقلب خاشع وصدق نية.
- شرب ماء زمزم يعد من الأوقات التي يُنصح فيها بالدعاء حيث إن هذه الماء المباركة لها فضل عظيم وتضاعف أثر الدعاء ومكانة من يسقيه بنية خالصة لله.
- الوقت الفاصل بين الأذان والإقامة يُعتبر من الأوقات التي تكون الدعوات بها مرجوة الإجابة استنادًا إلى الحديث الشريف الذي يُفيد بأن الدعاء في هذا الوقت له منزلة عند الله
- يوم الجمعة يحمل ساعة مُباركة لا يصادفها عبد مسلم قائم يصلي يدعو الله إلا ويجيبه الله لذا ينبغي زيادة الدعاء في هذا اليوم والتركيز على استغلال هذه الساعة المميزة.
- دعاء الصائم القريب من وقت إفطاره يُعتبر دعاءً مستجابًا فالحديث نص على أن دعوة الصائم لا تُرد وهذا وقت يحري فيه التضرع لله بأصدق النوايا.
- الدعاء في الثلث الأخير من الليل يُعد من أفضل الأوقات للتقرب إلى الله ففيه ينزل رب العالمين إلى السماء الدنيا قائلاً “هل من داعٍ فأستجيب له؟” مما يجعل هذا الوقت عظيماً لرفع الدعوات.
- دعاء المسافر له منزلة خاصة فهو مسافر في حالة تُظهر توكله التام على الله واحتياجه مما يجعل دعوته مرفوعة إلى السماء وتُستجاب بإذن الله.
- الدعاء بين الصفا والمروة خلال أداء الحج أو العمرة يعتبر من الأوقات المباركة التي تُستجاب فيها الأدعية لما لها من مكانة عظيمة وارتباطها بمناسك عظيمة
- وقت نزول المطر هو وقت تُفتح فيه أبواب الرحمة لأن رحمة الله تتنزل مع هذا المطر ولهذا يُنصح بالتوجه بالدعاء خلال هذه اللحظات.
- الدعاء خلال ليلة القدر له فضل عظيم فتلك الليلة تُعد أفضل ليالي العام وفيها تتنزل الملائكة بالرحمات مما يجعلها فرصة لا تعوض للإكثار من الدعاء.
بعض أدعية الانبياء
- دعاء النبي يوسف عليه السلام: “يا رب يا من خلقت السماوات والأرض ومن عليك أتوكل في حياتي وآخرتي اجعل قلبي ثابتاً على الإيمان على طاعتك وادخلني جنتك برحمتك وأجمعني مع عبادك الصالحين الذين سبقتهم أعمالهم الصالحة”.
- دعاء النبي نوح عليه السلام: “اللهم اغفر لي كل زلة ارتكبتها في حياتي وتجاوز عن سيئاتي واغفر لوالديّ اللذين كانوا عوناً وسنداً لي واغفر لكل من دخل داري وهو مؤمن فأنت غفور رحيم”.
- دعاء النبي إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام: “يا ربنا تقبل منا أعمالنا الخالصة التي نرجو بها رضاك واجعلها خالصة لوجهك الكريم لأنك السميع الذي لا يخيب دعاء عباده وتعلم ما في قلوبنا فاغفر لنا وارزقنا توبة نصوحاً لأنك الغفور الرحمن”
- دعاء النبي آدم عليه السلام: “ربنا لقد ظلمنا أنفسنا بالذنوب فاستغفرك ونتوب إليك فرحمتك هي الرجاء الوحيد لنا فإن لم تغفر لنا وترحمنا نكون من الخاسرين ولا مفر لنا إلا بكرمك ورحمتك”.
- دعاء النبي يعقوب عليه السلام: “إني لا أوكل أمري ولا أشكيلك إلا إليك يا الله أنت عالم بحالي أنا أرفع يدي إليك ببثي وحزني إنك أنت الرحمن العليم يا من تلطف بأحوالنا”.
- دعاء النبي محمد صلى الله عليه وسلم: “اللهم اجعل لنا في الدنيا حياة عامرة بالخير وابعد عنا شرورها وامنحنا نصيباً من النعيم الأبدي في الآخرة ونجنا من عذاب النار بلطفك ورحمتك يا أرحم الراحمين ويا أكرم من يُدعى”.