كان الأنبياء والرسل يمرون بمحن عظيمة وابتلاءات شديدة وكانوا يلجؤون إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء فكان الله يستجيب لهم ويمنحهم النجاة والفرج، فقد تعرض نبي الله إبراهيم عليه السلام لأذى شديد من قومه حتى أنهم ألقوه في النار لكن الله سبحانه وتعالى أنقذه منها وجعلها بردًا وسلامًا عليه.
وكذلك نبي الله يونس عليه السلام حين التقمه الحوت فمكث في بطنه يدعو الله حتى نجّاه ونبي الله يعقوب عليه السلام الذي فقد بصره حزنًا على فقدان ابنه يوسف لكنه لم يتوقف عن الدعاء حتى رد الله إليه بصره وابنه.
نبي الله أيوب قد ابتلاه الله في صحته وماله وأهله لكنه صبر وواصل الدعاء حتى كشف الله ضُرّه، وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي لاقى من قومه أذًى عظيمًا في سبيل تبليغ الدعوة لكنه واصل الصبر والدعاء ولهذا فإن أدعية الأنبياء من أعظم الأدعية التي يلجأ إليها المسلم عند الكرب والضيق وفيما يلي بعض الأدعية التي وردت عنهم لكل من يمر بابتلاء أو هم أو ضيق:
- دعاء الأنبياء عند الابتلاء: عند التعرض للابتلاء كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو بأدعية عظيمة منها: «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بكَ مِن زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ»، كما كان يقول: «اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ الهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى» فهذه الأدعية من جوامع الكلم التي تعين الإنسان على الصبر في المحن.
- أدعية الأنبياء لتفريج الهم: ورد عن الأنبياء مجموعة من الأدعية التي تُقال عند الهم والكرب منها: (اللَّهُمَّ آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) ودعاء (اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ الهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى)، وأيضًا دعاء (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي وَارْحَمْنِي وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي) فجميع هذه الأدعية عظيمة ومستحب ترديدها عند الضيق.
- دعاء الأنبياء عند الشدائد: عند مواجهة الشدائد والمِحن يمكن للإنسان أن يردد الأدعية التي وردت عن الأنبياء ومنها: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي وَارْحَمْنِي وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي» وكذلك «اللهم انفَعْني بما علَّمتَني وعلِّمْني ما ينفَعُني وزِدْني عِلمًا»، يوجد كذلك دعاء نبوي عظيم جاء في تفريج الهم وهو: «اللهم إني أعوذُ بكَ منَ الهمِّ والحزَنِ وأعوذُ بكَ منَ العجزِ والكسلِ وأعوذُ بكَ منَ الجُبنِ والبخلِ وأعوذُ بكَ مِن غلبةِ الدَّينِ وقهرِ الرجالِ» فهذه الأدعية كان الأنبياء يدعون بها في أصعب المواقف لذا من المهم الإكثار منها مع التضرع إلى الله بصدق.
- دعاء الأنبياء المستجاب: هناك أدعية مستجابة دعا بها الأنبياء تحمل معاني عظيمة في طلب الهداية والصلاح ومنها قوله تعالى:《 رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85) وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86) وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88)》، فهذا الدعاء من الأدعية المباركة التي تتضمن طلب الهداية والثبات والفوز بالجنة.
أدعية الأنبياء والرسل لتيسير الهم مكتوبة
- كان النبي ﷺ يسأل الله ويدعوه قائلًا: اللهم لا تخزني يوم القيامة.
- سيدنا يونس عندما كان في بطن الحوت ناجى ربه قائلًا: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.
- سيدنا سليمان رفع يديه بالدعاء إلى الله فقال: رب اغفر لي وهب لي ملكًا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب.
- سيدنا يوسف لجأ إلى الله ودعاه بهذه الكلمات: رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلمًا وألحقني بالصالحين.
- سيدنا زكريا دَعا ربه وناجاه قائلًا: ﴿ رب لا تذرني فردًا وأنت خير الوارثين ﴾ وكان يردد أيضًا ﴿ رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء ﴾.
- سيدنا نوح عندما انتهى الطوفان توجه إلى الله بالدعاء قائلًا: ﴿ وقل رب أنزلني منزلًا مباركًا وأنت خير المنزلين ﴾ وكان يناجي الله بقوله: اللهم إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإن لم تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين.
- سيدنا إبراهيم دعا ربه كي يثبته ويهديه فقال: ﴿ رب هب لي حكمًا وألحقني بالصالحين * واجعل لي لسان صدق في الآخرين * واجعلني من ورثة جنة النعيم * واغفر لأبي إنه كان من الضالين * ولا تخزني يوم يبعثون * يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم ﴾.
- سيدنا موسى عندما حمل الرسالة دعا الله قائلًا: ﴿ قال رب اشرح لي صدري * ويسر لي أمري * واحلل عقدة من لساني * يفقهوا قولي * واجعل لي وزيرًا من أهلي ﴾.
- سيدنا إبراهيم دعا الله أن يجعل البلد آمنًا فقال: ﴿ وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدًا آمنًا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر ﴾ وكان يتضرع إلى الله قائلًا: ﴿ رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء ﴾.
أجمل ما ورد من أدعية الرسل
تحمل أدعية الأنبياء والرسل في القرآن الكريم معاني عظيمة تعكس الإيمان العميق والتوكل على الله والرجاء في رحمته ومغفرته، فالدعاء هو الوسيلة التي يلجأ بها العبد إلى خالقه في جميع أموره طالبًا العون والهداية والمغفرة ومن أجمل الأدعية الواردة في القرآن الكريم عن الأنبياء:
- دعاء النبي موسى عليه السلام عندما اعترف بخطئه بعد أن قتل نفسًا بغير قصد فاستغفر الله وطلب منه الغفران فتقبل الله دعاءه وغفر له وهذا الدعاء ورد في قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [القصص: 16].
- كما دعا نبي الله موسى عليه السلام بعد أن أنعم الله عليه بالنجاة من الظالمين فشكر الله على هذا الفضل وأكد أنه لن يكون نصيرًا للمجرمين وهذا ما ورد في قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ} [القصص: 17].
- دعاء النبي إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام عند رفع قواعد البيت الحرام فقد سألا الله أن يتقبل منهما عملهما وأن يجعلهما من عباده المسلمين وأن يبعث من ذريتهما رسولًا يعلم الناس الكتاب والحكمة ويزكيهم وقد ورد هذا الدعاء في قوله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ (129)} [البقرة: 127-129].
- نبي الله شعيب عليه السلام دعا الله عندما اشتد عليه أمر قومه وطلب منه أن يحكم بينهم بالحق معترفًا بأن الله هو خير الحاكمين وهذا الدعاء ورد في قوله تعالى: {وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} [الأعراف: 89].
فضل أدعية الأنبياء في تفريج الهموم
أدعية الأنبياء لها فضل عظيم وأثر بالغ في تفريج الكروب وتسهيل الأمور بفضل الله ورحمته وهذا ما يجعل لها منزلة خاصة فقد استجاب الله لأنبيائه في العديد من المحن وذكر ذلك في كتابه العزيز مما يدل على عظمة هذه الأدعية وفائدتها.
- دعوات الأنبياء مستجابة بإرادة الله عز وجل فقد كانوا أقرب خلقه إليه وأكثرهم عبادة وإخلاصًا له.
- الأنبياء امتازوا بالقرب من الله مما يجعل أدعيتهم تحمل بركة عظيمة وتحقق الفرج والراحة بإذنه.
- اللجوء إلى أدعية الأنبياء من أكبر الوسائل التي تساهم في زوال الهموم وإبعاد الكروب وتخفيف معاناة الإنسان.
- تمتلك أدعية الأنبياء أثر قوي في رفع البلاء ودفع الشدائد فقد استجاب الله لأنبيائه حين نادوه في أصعب لحظاتهم.
- من فضل الله على عباده أنه جعل في أدعية أنبيائه ما يبعث الطمأنينة ويغمر القلب بالسكينة ويزيل القلق.
- ورد ذكر أثر دعوات الأنبياء في آيات كثيرة من القرآن ومنها ما جاء في سورة الأنبياء التي توضّح كيف استجاب الله لهم في أصعب الظروف.
أركان الدعاء وشروطه وآدابه المتبعة
تُعدّ عبادة الدُّعَاء من أعْظَم العِبَادَات وأَجَلِّ القُرُبَات فهي صِلَةٌ مُباشرَة بين العبد وربّه ولها فضائل كثيرة وثمرات عظيمة مما يَستوجب الإخْلاص فيها والتمسُّك بشُرُوطها والالتزام بأركَانها، والتي من أهمّها تَوحِيدُ الله تعالى وتَنْزيهُه مع التَّوَجُّهِ إليه بالتَّوْبَة والاعْتِراف بالذنوب ثم الشروع في الدعاء بالإضافة إلى الحرص على التزام الآداب المُستحَبَّة في الدعاء والتي منها:
- إفرادُ الله تعالى بالإخْلاص في الدُّعَاء دون إشراك أيِّ أحدٍ معه.
- الاعتقاد الجازم والثقة الكاملة بأن الله يستجيب الدعاء مع الإلحاح فيه وعدم الملل.
- استحضار القلب والخشوع أثناء الدعاء بحيث لا يكون مجرد كلمات تُقال بلا تدبُّر.
- الحرص على عدم رفع الصوت في الدعاء فالأفضل أن يكون بصوت خافت.
- التوجُّه إلى القبلة أثناء الدعاء متى أمكن لأن ذلك من الآداب الواردة عنه.
- استعمال أسماء الله الحُسنى عند الدعاء فقد أمر الله بذلك في كتابه الكريم.
- رفع اليدين أثناء الدعاء من السنن الثابتة عن النبي ﷺ وهو أدب من آداب التذلُّل بين يدي الله.
- التحلِّي بالصبر وعدم التعجُّل في استجابة الدعاء فلكل شيء وقت يقدّره الله بحكمته.
- اجتناب الأمور التي قد تحول دون استجابة الدعاء كأكل المال الحرام وقطيعة الرحم وسوء الظن بالله.
أهمية الدعاء وفوائده المتعددة
للدعاء مكانة عظيمة وفوائد كثيرة، فهو عبادة عظيمة تقرب العبد من ربه وتعزز إيمانه ويتجلى فضله في عدة نقاط:
- يُعد الدعاء من أعظم العبادات فهو ركن أساسي في العلاقة بين العبد وربه، إذ يعبر الإنسان من خلاله بصدق عن حاجته وتضرعه إلى الله سبحانه وتعالى.
- امتثال لأوامر الله فقد أمر الله عباده بالدعاء ووعدهم بالإجابة مما يجعله من مظاهر الطاعة والخضوع لأوامره.
- من أحب العبادات إلى الله فهو من أكرم الأعمال عنده، إذ يحب الله سماع دعوات عباده ورؤيتهم يلجأون إليه بتضرع وخضوع.
- وسيلة لدفع غضب الله فالدعاء سبب في طلب المغفرة والرحمة، وهو يقرب العبد من رضا ربه ويصرف عنه أسباب العقوبة.
- يفتح أبواب الرحمة والخير فهو من أسباب نزول البركات وزيادة الرزق، كما أنه يحفظ الإنسان من الشرور والمصائب والابتلاءات.
- يحمي صاحبه من العجز فالعبد الذي يداوم على الدعاء يكون دائمًا متعلقًا بالله ومتوكلاً عليه في كل أموره فلا يستسلم للضعف أو قلة الحيلة.
- يجعل العبد في معية الله إذ يقوي صلته بربه ويزيد من قناعته أن الله قريب منه، يسمع دعاءه ويستجيب له متى شاء.
أفضل الأوقات المستحب فيها الدعاء
يُعدُّ الدعاء من العبادات العظيمة التي ينبغي على المسلم أن يُلازمها في كل الأوقات فالله سبحانه وتعالى قريب يُجيب دعوة الداعِ إذا دعاه غير أن هناك أوقاتًا يُفضَّل فيها الإكثار من الدعاء لأن الاستجابة فيها أقرب بمشيئة الله ومن هذه الأوقات:
- الفترة الواقعة بين الأذان والإقامة فقد أخبر النبي ﷺ بأن هذا الوقت من مواطن استجابة الدعاء.
- الثلث الأخير من الليل حيث يكون الناس في سباتٍ عميق والله جل في علاه ينزل إلى السماء الدنيا فيقول: “هل من داعٍ فأستجيب له”.
- وقت السجود إذ يكون العبد في أقرب حالاته إلى ربه وهو ساجد وقد جاءت النصوص تُبيِّن فضل هذا الوقت في استجابة الدعاء.
- بعد الصلوات المكتوبة حيث يُستحب تخصيص هذا الوقت للدعاء والذكر لما له من فضل في تحقيق الإجابة.
- الفترة ما بين العصر والمغرب يوم الجمعة إذ يُقال إن فيها ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله شيئًا إلا أعطاه إياه بإذنه تعالى.