يَرتبط يوم التروية بأحد أعظم الشعائر الإسلامية وهو الحج وسُمِّي بهذا الاسم لأن الحجاج قديماً كانوا يُكثرون من شُرب الماء استعداداً ليوم عرفة ويقع يوم التروية في اليوم الثامن من شهر ذي الحجة وهو البداية الرسمية لتأدية مناسك الحج هذا الركن الجليل الذي يُعد من أعمدة الإسلام الخمسة التي يجب على كل مسلم مستطيع أداؤها لما له من مكانة عظيمة في التقرب إلى الله سبحانه وتعالى.
- اللهم في يوم التروية اسقِ قلوبنا من رحمتك واغفر لنا جميع ذنوبنا وزدنا نوراً وهداية وإيماناً يا أكرم الأكرمين ونسألك أن تستجيب لدعواتنا وتقبل أعمالنا الصالحة.
- اللهم ارزقنا في هذا اليوم العظيم قلوباً مُفعمة بالصبر والرضا بكل ما قسمته لنا والقناعة بما أنعمت به علينا يا واسع المغفرة والرحمة واغفر لنا خطايانا وتجاوز عن تقصيرنا إنك أنت الغفور الرحيم.
مناجاة: اللهم أروي قلوبنا
في يوم التروية الذي يُعَدُّ من الأيام المباركة التي يُستَحبُّ فيها الإكثار من الدعاء لما له من فضلٍ عظيمٍ في التقرب إلى الله وطلب رحمته وبركته يُمكن للمسلم أن يدعو بما يلي لتعزيز الإيمان ونيل المغفرة:
- اللّهُمَّ في يوم التروية نسألك أن تُرْوِي قلوبنا وقلوب أحبّتنا بمحبتك وإيمانك وطاعتك ونسألك أن تجعل أعمالنا خالصةً لوجهك الكريم وأن تُبارِك لنا في دعائنا وتجعلنا من المقبولين برحمتك اللّهُمَّ ارزقنا رضاك وكرّمنا بجنتك.
- ومن الأدعية التي يمكن أن تُقال: ربَّنا لا تُؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ولا تُحمِّلنا ما لا طاقة لنا به كما حمّلت الذين من قبلنا واغفر لنا زلّاتنا برحمتك اللّهُمَّ تجاوز عنّا واعفُ عنّا واملأ حياتنا برحمتك.
- يشهد المسلم قائلًا: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يُحيي ويميت وهو الحي الذي لا يموت بيده الخير كله وهو على كل شيء قدير نسألك أن تُثبِّتنا على التوحيد والإيمان.
- ومن الأدعية التي يُستحب ترديدها: اللّهُمَّ يا من له الأمر كله نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى اللّهُمَّ اجعلني من عبادك الذين وفَّقتهم للخير ويسّرت لهم البركة وارزقني صلاح الدين والدنيا وبلّغني من الخير فوق ما أرجو وأتمنى.
أبرز الأعمال المستحبة في يوم التروية
يُعتبر يوم التروية من الأيام الفاضلة التي خصّها الله سبحانه وتعالى بفضل عظيم، ويُوصى فيها بأداء العديد من الأعمال التي تتجلى فيها معاني العبادة والتقرب من الله عز وجل، وهذه بعض من أهم الأعمال المستحب القيام بها في هذا اليوم المبارك:
- يبدأ الحجاج يومهم بأداء صلاة الفجر ثم يتوجهون إلى منى لتحضير أنفسهم للوقوف بعرفة، مترافقين مع ترديد التلبية بقول (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك). وبالنسبة للمسلمين الذين لم يذهبوا للحج، يُستحب لهم التكبير والتهليل بقول (الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد)، مع الحرص على الذكر وذكر الله طوال اليوم.
- يُستحب للحجاج في هذا اليوم عدم الصيام ليكونوا على أتم القوة والاستعداد للقيام بالطاعات، وقد فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم حيث شرب اللبن أثناء حجه دليلًا على جواز الإفطار في أيام الحج، وحثّ النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (يوم عرفة وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام) لتبيان أهمية التخفيف على الحجيج في هذه الأيام الفضيلة.
- إذا تيسّر للحاج التوجه إلى نمرة، فإن ذلك من الأمور التي تحمل فضلًا عظيمًا بما يخدم أداء النُسك بشكل أفضل.
- عند تجمع الحجيج في عرفة عليهم أداء صلاتي الظهر والعصر جمع تقديم مع أذان واحد وإقامة واحدة، حيث تُصلى الصلاتان ركعتين ركعتين، ودون الجهر بينهما أو أداء أي نوافل قبلهما أو بعدهما ويتبع ذلك خطبة لأهمية توجيه الحجيج وتذكيرهم بالمناسك.
- يجب أن يتأكد الحجاج من وجودهم داخل حدود عرفة لأن هناك مناطق مثل وادي عرنة لا تعد من عرفة، وبالتالي لا تُعتبر الوقفة فيها جزءًا من النسك، ومن الضروري الانتباه لهذا الأمر لضمان صحة المناسك.
- من المستحب أن يقف الحجاج عند جبل الرحمة إن استطاعوا، مع الإكثار من الدعاء والتضرع لله سبحانه وتعالى لأن الوقوف بعرفة يُعد من أعظم أركان الحج حيث تُغفر فيه الذنوب وتُمحى الخطايا.
- في أثناء الوقوف في عرفة يُستحب استقبال القبلة أثناء الدعاء والتضرع، مع استمرار الذكر والخشوع حتى وقت غروب الشمس والوقوف على جبل عرفة ذاته ليس من السنن ولكنه جائز.
- على الحجاج الإكثار من الأدعية المأثورة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أثناء التلبية بقول (لبيك اللهم لبيك) مع الحرص على الالتزام بالخشوع والتضرع حتى غروب الشمس.
- مع دخول وقت المغرب وانتهاء يوم الوقوف في عرفة، يتحرّك الحجاج بطمأنينة نحو مزدلفة، ويُستحب أن يسيروا دون استعجال مع التقليل من الإجهاد مع التزام الاستغفار وذكر الله خلال الطريق.
- عند الوصول إلى مزدلفة يُصلّي الحجاج صلاة المغرب ثلاث ركعات والعشاء ركعتين جمع تقديم، مع تخصيص وقت للراحة والنوم بعد أداء الصلاة حتى يحين وقت الفجر وهذا من سنة النبي صلى الله عليه وسلم التي تُظهر الرفق والتخفيف على الحجيج في أداء مناسكهم.
السنن المستحبة لغير الحاج في يوم التروية
يُستحب للمسلمين الذين لا يُؤدّون مناسك الحج في يوم التروية أن يُكثروا من الصلاة بخشوعٍ وتضرّعٍ لله سبحانه وتعالى وأن يُرفقوا ذلك بالدعاء والإلحاح فيه مع التذلل والخضوع لله تعالى كما يُستحب أن يدمجوا ذلك بالإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بشكل دائم وأيضاً ينبغي أن يُداوموا على ذكر التلبية باعتبارها نوعًا من الذكر الذي يُقربهم من الله عز وجل ويُطهر قلوبهم ويرفع من درجاتهم ويجوز لهم الصيام في هذا اليوم بشرط ألّا يكون في ذلك مشقة على النفس وهذا الصيام يُعدّ فرصة ثمينةً للتقرب إلى الله سبحانه وتعالى لما يحمله من فضل كبيرٍ وخاصة في أيام العشر من ذي الحجة التي يُضاعف فيها الأجر وتتعاظم الحسنات مما يجعلها مناسبة عظيمةً لاغتنام الأوقات بالطاعات.
أعمال النبي صلى الله عليه وسلم في يوم التروية
كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم في يوم التروية يقوم بعدد من الأعمال التي وضَّحها لنا الصحابة رضي الله عنهم من خلال الروايات الموثوقة ومن أبرزها ما يلي:
- ذكر جابر رضي الله عنه في الحديث الذي وصف فيه حج النبي صلى الله عليه وسلم: «فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي، فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فَأهلوا بالحج» رواه مسلم،هذا الحديث يشير إلى أن الذين كانوا يؤدون الحج بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم وكان لديهم الهدي لم يتحللوا من إحرامهم مثل باقي الحجاج أثناء العمرة واستمروا على إحرامهم حتى بدء المناسك في يوم التروية.
- كما جاء في حديث أم الفضل بنت الحارث رضي الله عنها أنه خلال يوم عرفة كان الناس مترددين حول صيام النبي صلى الله عليه وسلم وقال البعض إنه صائم بينما قال آخرون إنه غير صائم، فأرسلت له قدحًا من اللبن وهو على بعيره بعرفة وعندما شربه أمام الجميع تأكد لديهم أنه لم يكن صائمًا. هذا الحديث مذكور في الصحيحين “متفق عليه”.
أما بالنسبة لما يجب على الحاج القيام به في يوم التروية فإن الأمور التي ينبغي تنفيذها تشمل:
- على من يؤدي حج التمتع أو العمرة أن يحرم مرة أخرى للحج إذا كان قد تحلل من إحرامه السابق.
- ينبغي للحاج إتمام التلبية التي تتمثل في قول: “لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك”.
- يتوجب التوجه إلى منى حيث يقضي الحجاج ليلة يوم التروية ويبدأون منها رحلتهم نحو الوقوف بعرفة.
- يقوم الحاج بأداء صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء بمنى كل صلاة في وقتها من غير جمع ويُفضل قصر الصلاة الرباعية وهي الظهر والعصر والعشاء بحيث تُصلى ركعتين بدلاً من أربع.
- في فجر اليوم التاسع من ذي الحجة يصلي الحاج صلاة الفجر في منى قبل الانطلاق إلى عرفات.
- مع طلوع شمس اليوم التاسع يتوجه الحجاج من منى إلى عرفات للوقوف بهذا الركن الأعظم من أركان الحج.
ويُعد يوم التروية من الأيام ذات الفضل الكبير عند الله سبحانه وتعالى إذ إنه جزء من أيام الحج التي تُعد من أعظم العبادات وأكبرها أجرًا في هذا اليوم يستعد الحجاج للوقوف بعرفة الركن الأعظم في الحج في حين يستفيد المسلمون غير الحجاج من فضائل هذا اليوم عبر الدعاء والتقرب إلى الله بالنوافل والأذكار وقد وعد الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) وينصح الفقهاء والعلماء بالحرص على الإكثار من الذكر والدعاء في يوم التروية طلبًا للأجر العظيم وقبول الدعوات من الله سبحانه وتعالى.
نسأل الله أن يجعلنا ممن يغتنمون أيامه المباركة وأن يملأ قلوبنا بالإيمان والطاعة ولكل من يرغب في مزيد من المعلومات عن يوم التروية أو مناسك الحج يمكنكم كتابة استفساراتكم في التعليقات أدناه وسنحرص على تقديم الردود المناسبة لكم بأقرب وقت.
