سجود الشكر يُعد من العبادات التي يُعبِّر فيها المسلم عن امتنانه لله عند حصول نعمة كان يرجوها أو دفع ضرر كان يخشاه وهو سجدة يؤديها العبد مباشرة عند سماع خبر سار أو تحقق أمر كان يتمنى حدوثه حيث يضع جبهته ويديه وركبتيه وأطراف قدميه على الأرض خضوعًا لله تعالى هذه السجدة لا ترتبط بشروط الصلاة فلا يُشترط لها الطهارة أو التوجه إلى القبلة ولا تشترط لها تكبيرة إحرام أو تسليم بل يمكن أداؤها في أي وقت وفي أي حالة يكون الإنسان عليها.
عندما يستقبل المسلم بشرى سارة أو يُرزق بما كان يتمناه فإنه يسجد على الفور شكرًا لله دون الحاجة إلى التحضير لها بشكل معين فقد كان النبي ﷺ إذا بلغه خبر يسره خرَّ ساجدًا لله وهذا دليل على مدى عظمة هذا العمل حيث تمثل هذه السجدة أصدق تعبير عن الامتنان المباشر لله سبحانه إذ يكون العبد في أقرب حالة إلى ربه وهو ساجد بين يديه.
في هذا المقال سيتم التطرق إلى أهم الجوانب المتعلقة بـدعاء سجود الشكر من حيث فضل هذه السجدة وحكمها في الإسلام بالإضافة إلى الأدعية التي وردت في السنة النبوية والمتعلقة بسجود الشكر.
- فضل سجود الشكر: قد يجهل البعض الفضل العظيم الذي تحمله سجدة الشكر ومدى قيمتها في حياة المسلم فعندما يؤدي العبد هذه السجدة تعبيرًا عن امتنانه لله فإن الله سبحانه وتعالى يكشف الحجاب بينه وبين ملائكته ويقول لهم: “يا ملائكتي انظروا إلى عبدي أدى فريضتي وأتم عهدي ثم سجد لي شكرًا على ما أنعمت به عليه يا ملائكتي ماذا له؟” فترد الملائكة: “يا ربنا رحمتك”.
- دعاء سجود التلاوة: إذا مرَّ المسلم بآية سجدة أثناء تلاوته للقرآن الكريم وأراد السجود يُستحب له أن يقول: “سجد وجهي للذي خلقه وصوَّره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته اللهم اكتب لي بها عندك أجرًا واجعلها لي عندك ذُخرًا وضع عني بها وزرًا وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داوود عليه السلام”.
- دعاء سجود السهو: إذا حصل للمسلم سهو أثناء صلاته فإنه يُشرع له أداء سجود السهو ويُستحب أن يقول في سجوده: “سبحان ربي الأعلى” ثلاث مرات ولم يرد عن النبي ﷺ دعاء مخصوص لسجود السهو غير أن الإمام النووي ذكر أن سجود السهو يتكون من سجدتين بينهما جلوس مشابه للجلوس في التشهد الأول وبعد السجدتين يجلس مستويًا حتى يُسلم.
- ما يقال في سجود الشكر بعد الصلاة: إذا أراد المسلم أن يسجد شكرًا لله بعد صلاته فبإمكانه أن يقول: “سبحان ربي الأعلى” و”سبوح قدوس رب الملائكة والروح” و”سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي” ويستحب له أن يُثني على الله تعالى ويحمده ويشكره على النِّعم التي أنعم بها عليه.
دعاء سجود الشكر الوارد في السنة النبوية
دعاء سجود الشكر من الأدعية التي وردت في السنة النبوية، فعند سجود الشكر يُثني المسلم على ربه بتسبيحه قائلًا سبحان ربي الأعلى ويستمر في التضرع والدعاء بكل خير في الدنيا والآخرة وهناك أدعية ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم يمكن للمسلم أن يدعو بها وهو ساجد شكرًا لله ومنها: “يا مُثبت القلوب ثبّت قلبي على دينك” كما يستطيع المسلم أن يردد “سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي” وهو من الأدعية التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقولها أثناء سجوده إضافة إلى ذلك فإن شكر الله على نعمه يكون بعبارات مثل “اللهم لك الحمد ولك الشكر” فالسجود من أكثر اللحظات التي يكون فيها العبد قريبًا من ربه ولذلك ينبغي استثمارها في الدعاء والتضرع إلى الله وسؤاله من فضله فالله تعالى يحب أن يسمع من عباده الدعاء والخضوع والتذلل إليه.
أهمية دعاء سجود الشكر وأثره
لدعاء سجود الشكر مكانة عظيمة في حياة المسلم، فهو تعبير صادق عن الامتنان لله عز وجل على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، ويجعل القلب ممتلئًا باليقين بأن كل ما يناله الإنسان من خير هو محض فضل وكرم من الله وحده ومن الفوائد التي يتحقق بها هذا الدعاء:
- حين يخر العبد ساجدًا شكرًا لله، يكون في أعمق لحظات اليقين بأن ما يملكه من نعم لم يكن بجهده ولا بحظه ولا بأي سبب آخر، بل هي منحة إلهية عظيمة تستوجب التواضع والخضوع للخالق، وهذا الشعور يعمّق التوكل على الله في كل الأحوال، فلا يرى في السعي إلا الأخذ بالأسباب واليقين بأن النتيجة من عند الله فلا يطلب العون إلا منه ولا يرجو الخير إلا من خالقه، ولا يخضع إلا للذي بيده ملكوت كل شيء.
- هذا الدعاء يجعل القلب متصلًا بذكر الله في كل وقت، لا يرتبط الشكر فقط بالحاجة أو الضيق بل يدرك العبد أن كل لحظة من حياته تحمل نعمًا تقتضي الاعتراف بها والثناء على الله الذي أغدق بها على عباده، فيظل لسانه وقلبه مشغولين بالتسبيح والحمد اعترافًا بأن الخير كله من عند الله.
- سجود الشكر من أعظم أسباب دوام النعمة وزيادتها، فقد وعد الله عباده الشاكرين بالمزيد، قال تعالى: ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾، فالشكر لا يضمن فقط بقاء النعم بل يكون بابًا واسعًا لفتح بركات جديدة، حيث يشعر الإنسان ببركة في عمره وماله وراحته فيدرك أن الامتنان لله ليس مجرد كلمات بل عبادة تثمر خيرًا عظيمًا.
- من القيم العظيمة التي يرسخها سجود الشكر هو إدراك العبد أن النعمة مسؤولية وأمانة أودعها الله بين يديه، فلا تُستغل في شيء يغضب الله بل تُصرف فيما يرضيه، وهذا المفهوم يجعل الإنسان أكثر وعيًا بكيفية استخدام النعم لتكون سببًا في زيادة الخير لا بابًا للانحراف أو التبذير.
- الشكر من أعظم أسباب رضا الله عن عبده، وسجود الشكر وسيلة عظيمة للوصول إلى ذلك الرضا فهو سبب في مغفرة الذنوب وإبعاد العذاب، قال الله تعالى: ﴿مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ﴾، فالشكر لا يعزز العلاقة بين العبد وربه فحسب، بل يجلب السكينة للقلب ويمنح الشعور الحقيقي بالقرب من الله.
الضوابط الشرعية لسجود الشكر
سُجود الشُّكر من السُّنن الواردة عن النبي ﷺ وهو طريقة عظيمة للتَّعبير عن الامتنان لله على نِعَمه التي يَغْدقها على عباده فمهما قدَّم الإنسان من شُكرٍ وثناءٍ لا يَستطيع أن يُوَفِّي الله حَقَّه الله سبحانه وتعالى أغدق على عباده نعمًا لا تُعدُّ ولا تُحصى والعبد إذا نال نِعمةً عظيمة أو نجَّاه الله من كَربٍ أو مصيبة فإنَّ أوَّل ما يفعله هو السُّجود شُكرًا لله لأنَّ الشُّكر سببٌ في دوام النِّعَم وزيادتها وهذا ما دلَّت عليه السُّنَّة النَّبوية قولًا وفعلًا.
من الطَّبيعي أن يُقدِّر الإنسان من يُساعِدُه ويَقِفُ بجانبه وقت الشِّدَّة فكيف بشُكر الله الذي أنعَمَ ورَحِم ورَزَق ودبَّر الأمور شُكر الله عبادةٌ عظيمةٌ ترفعُ مكانة العبد وتزيدُه قربًا من رَبِّه والعبد الذي يُريد الخيْرَ والبَركةَ والرِّضا لا بُدَّ أن يَحرص على شُكر الله في جميع الأحوال والمواقِف فالله يجعلُنا وإيَّاكم من عباده الشَّاكرين المُطيعين.