آياتُ الرِّزق والغِنى وردت في القرآن الكريم في العديد من المواضع والسُّور وتهدف أساساً إلى تَذكير البشر بأنَّ الله -سبحانه وتعالى- هو المُنعم والرازق الوحيد ولا يوجد أيّ مخلوق يستطيع التحكم أو السيطرة على رزقه بغض النظر عن قُدراته أو مَنزلته فالرزق كلّه بيد الله وحكمته ما يُميّز هذه الآيات الكريمة أنها لا تقتصر على نوع واحد من الرزق، بل تتناول بأفق واسع وشُمولي مختلف أشكال النّعم والعطاءات التي تمثل مفهوم الرزق بمفهومه الإسلامي العميق وهذا يُبرز أن الرزق في الإسلام لا يقتصر فقط على الأمور المادية كالمَال والطَّعام والصِّحة بل يشمل أيضاً النِّعم المعنوية الّتي تُغني الروح كالراحة النفسية والسَّعادة والهداية، مما يعكس عُمق هذا المفهوم وامتداده ليشمل كل ما يُتيح للإنسان تحقيق حياة متكاملة ومطمئنة.
الآيات القرآنية لجلب الرزق السريع
- للباحثين عن سعة الرزق والتقرب إلى الله بالدعاء يمكن قراءة سورة المائدة الآية رقم 114 التي تحمل دعاء سيدنا عيسى عليه السلام حين طلب المائدة من السماء وفيها دلالة على كرم الله الذي لا ينقطع ورزقه الواسع لعباده.
- وفي سورة النساء الآية رقم 35 نجد إشارة إلى رحمة الله وحكمته في تدبير العلاقات بين الناس مما يظهر لنا أن الرزق جزء من التوازن الإلهي الذي يوزعه على عباده بما فيه خير لهم.
- أما سورة الأعراف الآية رقم 10 فهي تُبرز نعم الله علينا وما أسبغ به علينا من رزقه من خلال تهيئته الأرض وما فيها مما يجعل الإنسان أكثر إدراكًا للمنح الإلهية وأهمية الشكر عليها.
- من السور التي تُعتبر ملهمة في طلب الرزق تأتي سورة الواقعة كاملة والتي تُعرف ببركتها وتعلقها بالرزق وما يفيض به الله على خلقه من خير وإمداد.
- من يتأمل في نعمة الاستغفار وفوائده في جلب الرزق يمكنه قراءة ما ورد في سورة نوح من الآية 10 إلى الآية 12 حيث يتجلى لنا الربط بين كثرة الاستغفار وبين توسعة الرزق وزيادة النعم المختلفة.
- وفي سورة آل عمران الآية رقم 26 و27 نجد وصفًا بليغًا لكيفية توزيع الخالق الأرزاق بحكمة حيث أن الله سبحانه يملك خزائن السموات والأرض ويمنح من يشاء الحكمة والغنى وفق مقادير مقدّرة.
- وتُذكّرنا سورة الأنبياء الآية رقم 87 بحال سيدنا يونس عليه السلام وهو في بطن الحوت ودعائه الذي يعبر عن اللجوء إلى الله في أصعب الأزمات مما يعزز الإيمان بتجاوز المحن بفضل الله ونعمة رزقه.
- وفي سورة الجمعة الآية رقم 11 يتجلى قول الله تعالى: ﴿ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ حيث تذكرنا بأن رزق الله أسمى وأبقى من كل ما يتهافت الناس عليه من لهو أو تجارة زائلة.
- ومن العلامات الواضحة على التوازن الإلهي في توزيع الرزق نجد في سورة الشورى الآيتين 27 و28: ﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ * وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ مما يظهر حكمة الخالق في توزيع النعم وبيان شمول رحمته التي تعم الجميع.
- وفي سورة الأنعام الآية رقم 151: ﴿ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وصآكم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ نجد وعدًا إلهيًا صريحًا بأن الرزق بيد الله وحده وأنه يضمن حاجات الإنسان وأطفاله مهما قست الظروف.
الآيات المتعلقة بالرزق في القرآن مكتوبة
الرزاق هو الله جل في علاه والإنسان عندما يسعى لتحقيق مبتغاه في الحياة ينبغي أن يكون على يقين بأن الرزق والتوفيق لا يأتيان إلا من الله سبحانه وتعالى، فهو وحده الذي قسم الأرزاق وكتب أقدار المخلوقات منذ الأزل ففي الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنةٍ، قال: وعرشه على الماء»، ويتجلى في ذلك المعنى العظيم أن كل أمر بيد الله وحده لا شريك له، فهو الذي يعطي الرزق لمن شاء ويمنع بحكمته وفق إرادته وعدله لذلك نجد أن آيات الرزق في القرآن مكتوبة تأتي لتطمئن القلوب وتزيل الهموم، فالرزق ليس بيد بشر ولا يمكن لأي شخص أن يتحكم فيه إلا بإذن الله سبحانه وتعالى ولا يمنح ولا يمنع إلا بما قدره وارتضاه.
- ﴿ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ [سبأ: 39].
- ﴿ أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ ﴾ [الملك: 21].
- ﴿ أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الزمر: 52].
- ﴿ هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ ﴾ [غافر: 13].
- ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ [الملك: 15].
الآيات القرآنية لتيسير الأمور وجلب الرزق
تمرُ بنا أحيانًا ظروف تجعل مسيرتنا تتعثر بشكلٍ مؤقت وتؤدي إلى تعطيل أهدافنا التي نسعى لتحقيقها، مما يتسبب في شعور الشخص بالإحباط نتيجة للأوقات والجهود التي شعر بأنها قد ذهبت بلا طائل ولكن الحل الحقيقي دائمًا يكمن في العودة إلى الله سبحانه وتعالى فهو وحده الرزاق الكريم الذي بيده مفاتيح كل شيء وهو القادر على تفريج الكرب وتيسير الأمور مهما كانت صعوبتها.
وتتجلى صور التوكل على الله سبحانه في قراءة الآيات التي تُذكرنا بكرم الله ورزقه وتيسير أمور عباده مع الاحتفاظ بنية خالصة لوجه الله وللاستزادة من اليقين بأن الرزق مكتوب ومقدر من الله فقط، بعيدًا عن الانقياد وراء البدع والممارسات التي تخالف الشريعة الإسلامية التي تُعدّ غير مقبولة تمامًا.
- {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا ۙ قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ ۖ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا ۖ وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ ۖ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (البقرة: 25).
- ﴿ وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ * وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ * وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ * لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ * سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ ﴾ (يس: 32 – 36).
- (وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا (وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ (العنكبوت: 16 – 17).
- ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ * اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ (العنكبوت: 60 – 62).
الآيات المكتوبة عن الرزق والفرج
أكد الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم على أهمية الرزق والفرج لزيادة اليقين والإيمان في قلوب المؤمنين وتذكيرهم بأن الرزق مقدر من الله وحده وأنه إذا أراده لعبده فلا أحد يستطيع منعه وإذا لم يكتبه فلا أحد يستطيع جلبه مهما حاول وأن الثقة بالله هي السبيل الذي يطمئن به الإنسان رغم التحديات التي يمر بها في الحياة.
وما يؤكد هذا حديث النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: «إن رُوحَ القُدُسِ (أي جبريل) نفَث (ألْقى) في رُوعي (قلبي) أنَّ نفسًا لن تموتَ حتى تستكمِلَ أجَلَها وتستوعبَ رزقَها فأجمِلُوا في الطَّلَبِ ولا يَحمِلَنَّ أَحَدَكم استِبطاءُ الرِّزقِ أن يَطلبَه بمعصيةٍ فإنَّ اللهَ لا يُنالُ ما عنده إلَّا بطاعتِه» فَهذا الحديث الشريف يعكس كيف أن الرزق مكفول من الله وأنه على الإنسان أن يحرص على طلبه بالطرق التي تبارك له فيه وتجنبه الوقوع في المحرمات لكي يحظى ببركة الله في رزقه وخيره الذي يهبه له.
- {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم} تُظهِر هذه الآية أن الله وحده القادر على إزالة الضرر أو إرساء الخير وأنه مهما كانت الظروف لا يمكن لأحد أن يغير مشيئته فهو الذي يصيب برحمته من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم.
- {فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (آل عمران 170) توضح هذه الآية أن الذين استشهدوا في سبيل الله يعيشون في فرح ونعيم بما أنعم الله عليهم من رزقه العظيم وهم يستبشرون بقدوم من سيلتحق بهم مؤكدين أن من يتبع طريقهم لا مبرر للخوف أو الحزن لأن جزاءهم أعظم عند الله.
- {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} ﴿58 يونس﴾ تُذَكّرنا هذه الآية بأن الرحمة والفضل التي يمنحها الله لعباده تُعد أعظم نعمة يفرحون بها وأنها خير لهم من كل شيء آخر يمكن أن يكسبوه أو يجمعوه في حياتهم الدنيوية.
- {ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم} يُبرِز هذا النص القوة الكاملة لرحمة الله التي لا يمكن لأي قوة على وجه الأرض أن تمنعها أو تتحكم فيها فإن أمسكها لا يرسلها إلا هو وهو الحكيم في محكم قضائه.
- ﴿ قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ﴾ [الأنعام: 63، 64] تُؤكد هذه الآيات أن الله وحده الذي يستجيب لدعوات المستغيثين من الظلمات والأزمات سواء في البر أو البحر ومع ذلك فإن بعض الناس يعودون بعد النجاة للشرك بنعمه متناسين رحمته التي أنقذتهم من مكائد الحياة.
آيات القرآن الكريم المرتبطة بالرزق والغنى
يعتقد الكثير من الأشخاص أن الرزق يقتصر على المال فقط ولكن هذا المفهوم ضيق للغاية ولا يعبر عن المعنى الحقيقي للرزق الذي ورد في القرآن الكريم، فالرزق أشمل وأوسع بكثير مما يتخيله البعض الله سبحانه وتعالى يمنح رزقه لعباده بأشكال متعددة لا حصر لها وكل إنسان يُمنح رزقًا خاصًا يناسبه ويمكن أن يكون في صورة لا يدرك قيمتها فالنعم اليومية التي نعيشها مثل الصحة والعافية هي من أعظم أنواع الرزق التي تمكننا من أداء أعمالنا وكسب معاشنا ولعلنا أحيانًا نمر على نعم كثيرة دون أن نلحظها أو ندرك قيمتها إلا إذا فقدناها، لكن الله سبحانه وتعالى يذكّرنا عبر القرآن الكريم بعظيم فضله وبأن هذه النعم هبة منه عز وجل لكي نشكره ونبقى واعين بعطاياه.
التأمل في آيات الرزق والغنى في القرآن الكريم يفتح أمامنا أفقًا جديدًا لفهم واسع وشامل لمعنى الرزق، فالقرآن يخبرنا أن الرزق لا يقتصر على المال، بل يتضمن كل ما منحنا الله من عطايا وخيرات. فقد يكمن الرزق في الأمور الصغيرة التي تمر علينا يوميًا مثل الشكل السليم الذي يحفظ للإنسان كرامته أو في لقمة طعام نتناولها أو في قطرة ماء أنزلها الله من السماء لننعم بحياتنا، كما أن المشاهد العظيمة من حولنا من طبيعة وسحاب وأرض مثمرة كلها مظاهر لكرم الله وعطاياه لعباده والتي قد نغفل عن شكرها إلا إذا افتقدناها وهذه الآيات توضح كيف أن جميع ما حولنا من نعم هي رزق من الله سبحانه وتعالى:
- (قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ* فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ* الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ* وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ) [الشعراء 75-79]
- (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ۖ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَٰلِكُم مِّن شَيْءٍ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الروم 40].
- (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ ۖ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) [الروم 48].
- (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ۚ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ) [فاطر 3].
- ﴿ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾ [الحشر: 8].
- (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ) [إبراهيم 32].
آيات قرآنية مصورة عن الرزق
“الرِّزقُ يَطلُبُ صاحِبَهُ” هذه العبارة التي تتناقلها الألسن وتُسمَع كثيرًا بين الناس ليست مجرد تعبير شعبي بل هي مستندة إلى أصول نبوية كريمة حيث قالها أفضل الخلق -عليه الصلاة والسلام- منذ أكثر من ألف عام ليُعلِمنا أن الأرزاق لها طريقها الخاص الذي تسير فيه نحو صاحبها فهي مكتوبة مقدّرة من عند الله عز وجل الذي يعلو عرشه فوق سبع سماوات.
«إنَّ الرِّزقَ ليطلُبُ العبدَ أكثرَ ممّا يطلُبُه أجلُه»، هذا الحديث الشريف يُوحِي بعمقٍ من الطمأنينة في النفوس ويُرسي يقينًا أن الله وحده هو المدبر لأرزاق عباده فلا شيء ولا أحد يمكنه أن يحجز عنها صاحبها إلا بما شاء الباري سبحانه وتعالى فكل ما يتصل بحياتنا مرسوم بدقة في الكتاب المحفوظ وبما يلائم أحوالنا وأقدارنا وهذا تجسيد جلي لما تأكد كذلك في الآيات القرآنية التي تحدثت عن الرزق في سور القرآن الكريم المختلفة.
آيات قرآنية حول الرزق بِنعمة المولود
من أروع النعم التي يكرم الله بها عباده هي نعمة الأبناء حيث إن هذه النعمة تعكس جانبًا من فطرة الإنسانية التي خلقها الله في قلوب الرجال والنساء على حد سواء إذ يظل الأبناء رزقًا مختارًا من الله وحده مهما تطورت وسائل الطب والعلوم فالأمر كله مرهون بمشيئته تعالى إذ تناولت الآيات القرآنية هذا الموضوع بشكل واضح ومؤثر وأظهرت كيف أن الأبناء هبة ربانية قد يهبها الله لمن يشاء ويمنعها لحكمة يعلمها وحده كما أن بعضها جاء على لسان الأنبياء في هيئة دعاء خاص لتوضيح شكرهم العميق لله ورغبتهم الصادقة والبعض الآخر أشار إلى أن الأبناء رزق قد يمنحه الله أو يحجبه وفقًا لحكمته التي تحمل الخير دائمًا لذلك فإن قراءة هذه الآيات وتأملها تلعب دورًا كبيرًا في تعزيز الرضى والتوكل على الله فيما يكتبه للعبد سواء رزقه بالأولاد أو لم يرزقه فلا يأتي من الله إلا الخير والحكمة التي تحيط بكل أموره.
- ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً ﴾ [الرعد: 38].
- {رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} [آل عمران من الآية:38].
- (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا* يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۖ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) [مريم من الآية:6،5].
- {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات:100].
- {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان:74].
- {أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ} [المؤمنون من الآية:55].
- {وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا} [الإسراء من الآية:6].
- {وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ} [نوح من الآية:12].
- {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى} [سبأ من الآية:37].
- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [المنافقون من الآية:9].
- (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ* أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا ۖ وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) [الشورى 50،49].
الآيات المجربة لجلب الرزق
يشيع بين البعض نشر قوائم تحمل عنوان آيات الرزق مجرّبة مع الاعتقاد بأن تلاوة هذه الآيات أو السور بطريقة معينة قد تكون سببًا مباشرًا في جلب الرزق أو حل مشكلات المعيشة، بينما في الحقيقة هذا المفهوم يحمل في طياته خطأ جسيمًا يتنافى مع تعاليم الإسلام الصحيحة فالقرآن الكريم كلام الله المنزل ليهدي القلوب ويرشد العقول، والاعتقاد بأن قراءة بعض الآيات فقط دون العمل والاجتهاد سيغير الحال يعد بدعة قد تقود المسلم إلى مسار يبعده عن رضا الله عز وجل وعن الفهم الصحيح لدين الإسلام.
الآيات القرآنية التي تتناول موضوع الرزق تحمل إشارات واضحة إلى أن الله سبحانه وتعالى هو الرزاق المطلق لجميع مخلوقاته بما فيهم الإنسان، وهي دعوة للتأمل في عظمة الله ورحمته ولتذكير المسلم بأن الله قد ربط بين تقواه والعمل الدؤوب لتحقيق الغايات والاعتماد فقط على قراءة الآيات دون السعي والاجتهاد يناقض جوهر ما تدعو إليه هذه الآيات لأن الله تعالى هو القادر على توسيع الأرزاق أو تقليلها وفق حكمته سبحانه وتعالى، والرزق بيده وحده يمنحه لمن يشاء ويمنع عمن يشاء وفق علمه وحكمته البالغة.
- ﴿ اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ﴾ [الشورى: 19]، هذه الآية تبرز لطف الله بعباده وتؤكد أن أرزاق الناس جميعها موكلة إلى إرادته وحكمته المطلقة.
- ﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 58]، الآية تعكس أن الله المتين القوي هو المالك الوحيد للرزق وهو من يعطي ويمنع بقدرة لا تضاهى.
- ﴿ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [سبأ: 24]، هذه الآية تدعو للتدبر والتفكر في أن مصدر الرزق الوحيد هو الله وحده مالك السماوات والأرض.
- ﴿ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [سبأ: 36]، تُظهر الآية أن حكمة الله هي المتحكمة بتوزيع الرزق وأن الإنسان غالباً ما يغيب عن إدراك أهمية العمل والاجتهاد المصحوبين بالتوكل على الله.
- ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الروم: 37]، تحث المؤمن على التأمل في كيف يعبر توسيع الرزق وتضيقه عن حكمة الله وقدرته الخارقة مع توجيه الأنظار نحو الإيمان الكامل الذي يعزز التوكل على الله في كل أمور الحياة.
طريقة السبع آيات في جلب الرزق
في الآونة الأخيرة انتشر حديث حول وجود سبع آيات قرآنية يُعتقد أن قراءتها باستمرار تضمن للإنسان رزقًا وفيرًا يأتي من حيث لا يحتسب ولكن الحقيقة أن هذا الاعتقاد لا أصل له في القرآن الكريم أو السنة النبوية المطهرة وهذا الأمر دفع الكثيرين لقراءة هذه الآيات بنيّة جلب الرزق رغم أن هذا الفعل يُعد من البدع التي حذّر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث ورد عنه في الحديث الشريف قوله: «إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة» فهذا تحذير واضح لا يقبل التأويل، ولذلك فإن طريقة السبع آيات لجلب الرزق التي يتداولها البعض ليست من الدين في شيء وغير جائز لأي مسلم أن يعتقد بها أو يتبعها لأنها تُعد من المحدثات التي لا أصل لها في الشريعة الإسلامية ومن بين الآيات التي تُطرح في هذا السياق:
- (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [التوبة 51].
- (وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ ۚ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۚ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [يونس 107].
- (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ۚ كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) [هود 6].
- (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم ۚ مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) [هود 56].
- (وَكَأَيِّن مِّن دَابَّةٍ لَّا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [العنكبو 60.
- (مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ۖ وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [فاطر 2].
- (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۚ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ ۚ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ ۖ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ) [الزمر 38].
ومما لا شك فيه أن هذه الآيات العظيمة فُرضت في القرآن لتغرس فينا معاني التوكل على الله والثقة بتصريفه للأمور وليست وسيلة لتحقيق مقاصد دنيوية بعيدة عن ضوابط الدين ومن أراد أن يسأل الله الرزق فالباب مفتوح من خلال الدعاء والعمل الصادق والسعي الحثيث لأن الله سبحانه وتعالى هو الرزاق الكريم الذي يرزق من يشاء بغير حساب والإيمان بهذا هو الطريق القويم الذي ينسجم مع الشريعة وأما الإضافة للدين بما لم ينزله الله فهذا مما يجب علينا اجتنابه لأنه لا يجوز إحداث شيء في الدين لم يُؤثر عن كتاب الله أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم
أحاديث النبي الكريم المتعلقة بالرزق
لا يَخفى على أحدٍ أن مَوضوع الرِّزق يُعد من الموضوعات المُهمة التي تَشغل حيِّزًا كَبيرًا في حياة الإنسان، والحديث عَن الرِّزق لا يَنحصر في كونه جُزءًا من الأحكام الإلهيَّة الوارِدة في القُرآن الكريم فقط بل قد أوضحه النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة و هذه الأحاديث تَعمل على ترسيخ مفهومٍ عميق بأن الأرزاقَ مكتوبة ومقسومة للإنسان قَبل حتى أن يُولد وأنّ الإنسان لن يُفارِق الحياة إلا بعد أن يُكمل ما كَتبه الله له مِن رزق، وكل ذلك بيد الله سبحانه وتعالى وحده.
وقد جاءت الأحاديث التي سنستعرضها الآن لتُوضّح حكمة الله عز وجل في الرِّزق وتُؤكد أنَّه مَرتبط بتقوى الله والاعتماد على الطُّرق الحلال وتَجنب الطُّرق الحرام ومن هذه الأحاديث النبوية التي جاءت لتفصيل هذا الأمر:
- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: روى الامامان البخاري ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الصادق الأمين الذي لا ينطق عن الهوى، أنه قال: «إن أحدَكم يُجمَع خلقه في بَطن أمِّه أربعين يومًا ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مضغةً مثل ذلك ثم يبعث الله ملَكًا فيؤمر بأربع كلماتٍ، ويقال له: اكتُبْ عمله ورزقه وأجَلَه، وشقي أو سعيد ثم ينفخ فيه الروح فإن الرجل منكم ليعمل حتى ما يكون بينه وبين الجنة إلا ذراعٌ فيسبق عليه كتابه فيعمل بعمل أهل النار، ويعمل حتى ما يكون بينه وبين النار إلا ذراعٌ فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة».
- وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال، كما رواه الإمام الحاكم: «لا تستبطئوا الرِّزق؛ فإنَّه لم يكن عبد ليموت حتى يبلغه آخِرُ رزقٍ هو له؛ فاتقوا الله وأجمِلوا في الطلب: أخذ الحلال، وترك الحرام».
من خلال هذه النصوص النبوية يظهر لنا أن الرِّزق كله مكتوبٌ ومحفوظ عند الله وحده لهذا ينبغي على الإنسان أن يَعيش مطمئنًا بأنَّ رزقه سيصل إليه طالما أنّ الله قد قدَّره له، لكن ذلك لا يعني الإهمال أو التهاون بل عليه أن يَسعى في طريق الحلال ويبتعد تمامًا عن الحرام مهما اشتدَّت الظروف فالالتزام بالتقوى والعمل فيما يرضي الله مهم لتحقيق البركة والاستقرار في الرزق الذي كُتب وسُيق إليه في وقته وحسابه الذي يُقدّره الله بحكمته التي لا يُدانيها أي تقدير بشري.
الأدعية المأثورة للرزق من السنة النبوية
لقد جاءت الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة لتؤكد أن الله سبحانه وتعالى هو الرزاق الذي بيده خيرات السماوات والأرض، ولا يمكن لأي مخلوق أن يمنع رزقًا قدّره الله لعبده إلا إذا شاء الله ذلك، ومع ذلك فإن الإنسان مأمور بالسعي وبذل الأسباب للحصول على الرزق الذي يحتاجه ليعيش حياة كريمة ومن ذلك الحرص على قراءة القرآن الكريم والتقرب إلى الله بالصالحات، ومن أهم هذه الصالحات التصدق، فالصدقة هي باب من أبواب تسهيل الأمور في الدنيا وفتح الأبواب المغلقة كما أنها وسيلة عظيمة لتفريج الكُرب والشدائد التي يمر بها الإنسان ولا يمكن أن تكتمل وسائل السعي للرزق إلا بالدعاء واللجوء إلى الله عز وجل، وقد ورد عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- وعن صحابته الكرام -رضوان الله عليهم- العديد من الأدعية التي تحمل في طياتها البركة والرزق لكل من دعَا بها بإخلاص وحسن نية، وهي دعوات تُستلهم منها قوة الارتباط بالله وحسن الظن به.
ومن الأدعية الواردة في السُّنة النبوية نذكر منها الآتي:
- اللّهمّ إنّي أسألك من فضلك ورحمتك فأنت المالك لهما وحدك يا رب العالمين.
- يا كريم، اللهم يا ذا الرحمة الواسعة ويا مطّلعًا على كلّ ما تُخفيه القلوب وتظهره الأقوال والهواجس، أنت العالم بما نُخفيه وما نُظهره، والأمر كله بيدك يا كريم، أسألك أن تغمرنا برزق من فضلك العظيم وكرمك الذي لا ينتهي وأن تنير حياتنا بمِنّك وتفرّج همومنا برحمتك أنت وحدك من تملك خزائن الخير، ونلتجئ إليك وحدك كي تعطينا من فضلك العظيم ما يُغني قلوبنا ويرضينا ويغني حاجاتنا دون أن نحتاج لأي أحد غيرك، يا ذا العطاء الذي لا ينفد والوجود الذي لا ينقطع يا رحيم يا عليم.
- اللهمّ ربّ السموات السبع وربّ الأرض ورب العرش العظيم، ربّ كلّ شيء وخالق كل حي أنت الذي تُخرج الحب والنوى وتُنزل الكتب السماوية، أعوذ بك يا الله من كلّ شر يُحيط بي ولا أملك له قوة إلا بك فأنت الأول قبل كل شيء وأنت الآخر بعد كل شيء وأنت الظاهر فوق كل شيء وأنت الباطن الذي لا يُخفى عليه شيء، اللهمّ اسدد دَيْني كله واجعل رزقي يرغد ويزيد فأغتني بك عن غيرك يا الله.
- اللهمّ مالك الملك تُؤتي الملك من تشاء وتُنزع الملك عن من تشاء وتُعز من تشاء وتُذل من تشاء، كل الخير بيديك وأنت الذي بيده الأمر كله أطلب منك فيضًا من رحمتك التي تغنينا بها عن أي رحمة أخرى، يا رحمن الدنيا والآخرة ويا مالك خزائن السماوات والأرض.
- اللهم اكفِني بحلالك عن حرامك واكتب لي رزقًا من فضلك الذي أغناك عن الاحتياج لأحد من خلقك.
الأدعية المستجابة لجلب الرزق
يقول الله تعالى في كتابه الكريم (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) هذه الآية العظيمة تُبرز قرب الله من عباده واستجابته لدعواتهم المخلصة المليئة بالإيمان واليقين كما تؤكد عظمة الدعاء وأثره في حياة المؤمن حيث يُعتبر وسيلة للتضرع والاعتماد على الله في كل الظروف والمحن بالإضافة إلى أن إجابة الدعاء تأتي بحكمة الله عز وجل وفي الوقت الذي يراه الأنسب لعبده.
ويجب على المؤمن أن يكون واثقًا بما يقدره الله عليه فهو سبحانه أعلم بما يصلحه وأرحم به من نفسه في كل أمور الدنيا والآخرة كما أن الإلحاح في الدعاء واللجوء إلى الله بيقين وتضرع يُعد من أعظم أسباب القرب منه واستجابة ما يناسب المرء من الدعاء برحمة الله التي لا حدود لها وحكمته التي لا تدركها العقول.
- اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين فأضعف ولا إلى الناس فأضل اللهم اكفني بحلالك عن حرامك واغنني بفضلك عمن سواك وأسألك يا رب أن تيسر لي أمري وتجعل كل أمر عسير علي هينًا بقدرتك ورحمتك.
- اللهم إنّا نسألك العفو والعافية والتوفيق والهداية والرشد والإرشاد والرضى والقبول والقوة التي تعيننا على إتمام أمورنا بالمحبة والخير يا رب املأ قلوبنا بنور منك ووجوهنا بزينة ترضيك وسدد خطانا إلى كل ما تحبه وترضاه.
- اللهم ارزقني رزقًا طيبًا مباركًا من غير تعب ولا عناء ووفقني للتوفيق في كل خطوة أخطوها واجعلني دائمًا في حفظك ورعايتك يا رب يسر لي البركات والأرزاق أينما توجهت وأينما كنت.
- اللهم يا من تحكم الأمر وتُتم النعمة وتكتب الخير أعني في كل أموري وافتح لي أبواب فرجك التي لا تنغلق وسهل علي كل ضيق وأبدله بيسر وعافية يا كريم لا تحرمني عونا منك على قضاء كل أمر أحتاجه.
- ولا تتركني أعاني مما لا طاقة لي به ولا تكلني إلى نفسي الضعيفة بل كن معي برحمتك وقدرتك يا الله فأنت تعلم بحالي وما يضيق به صدري وما يصعب علي فهمه أو الوصول إليه يا رب لا تحرمني من توفيقك ولا من رحمتك التي لا تنتهي ووسع علي في كل ما اشتد علي من أمري.