الدعاء يُعد من أعظم الوسائل التي يستطيع الإنسان اللجوء إليها عندما يواجه محنة أو يمر بابتلاء، خاصةً إذا كان الابتلاء مرتبطًا بالصحة والجسد نظرًا لما يسببه من ألم ومعاناة كبيرة فقد يتعرض الإنسان لابتلاءات مختلفة مثل فقدان شخص عزيز أو خسارة مالية في التجارة ولكن عندما يكون الابتلاء متعلقًا بالصحة يصبح الإنسان في أشد الحاجة إلى الصبر والتوكل على الله والبحث عن كل ما من شأنه أن يخفف عنه ويأتي الدعاء في مقدمة هذه الوسائل التي تمنح الإنسان قوة وسكينة في أشد اللحظات صعوبة.
حينما يمر الإنسان بوعكة صحية فإن الدعاء يُشكل سلاحًا قويًا يعزز من معنوياته ويزيد من صبره لأن لحظات المرض تجعل الإنسان في أشد الحاجة للجوء إلى الله وطلب رحمته وشفائه مع اليقين التام بأن الله سبحانه وتعالى قادر على إزالة الألم وتفريج الكرب فالدعاء الصادق والمستمر من شأنه أن يربط الإنسان بخالقه ويمنحه الطمأنينة والراحة وهناك العديد من الأدعية التي يمكن للمريض ترديدها في أوقات معينة يتحرى فيها الإجابة مثل السجود أثناء الصلاة أو خلال الثلث الأخير من الليل فالله تعالى يستجيب لمن توجه إليه بقلب صادق ويقين ثابت.
يستطيع الإنسان خلال فترة المرض أن يسلك منهجًا معينًا يساعده على الصبر والرضا مثل الإكثار من الذكر والاستغفار والتوكل على الله مع الأخذ بالأسباب سواء كانت طبية أو روحية فالجمع بين الدعاء والعلاج يُعزز من فرص الشفاء ويجعل الإنسان يشعر بالسكينة عندما يكون على يقين بأن الله لن يخذله فهذا الإيمان العميق بمشيئة الله يساعده في تجاوز الأوقات الصعبة ويمنحه القوة لمواجهة المرض بثبات وثقة.
أدعية للتضرع إلى الله من أجل الشفاء
الدعاء وسيلة يتقرب بها العبد إلى الله ليطلب منه رفع البلاء ودفع الشدائد، وهو من أعظم العبادات التي يحرص عليها المسلم في مختلف أوقاته، خاصة عند المرض والتعب فالمريض بحاجة إلى التوجه إلى الله بالدعاء والتضرع إليه ليطلب منه الشفاء، فهو وحده القادر على شفاء الأبدان وتخفيف الآلام وقد وردت في السنة النبوية أدعية كثيرة تتعلق بالشفاء وطلب العافية.
- رُوي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ كان يعوذ بعض أهل بيته إذا اشتكى أو أصيب بقرحة أو جرح، فكان يقول وهو يلمس موضع الألم بأصبعه: “بسم الله، تربة أرضنا، بريقة بعضنا، يشفي سقيمنا، بإذن ربّنا” متفق عليه وفي هذا الدعاء استعانة بالله تعالى وطلب للشفاء ببركة ما خلقه الله من أسباب للعلاج.
- وجاء عن عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ كان إذا زار مريضًا من أهله مسحه بيده اليمنى قائلاً: “اللهم رب الناس، أذهب البأس، واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقماً” متفق عليه وهذا الدعاء يتضمن تفويض الأمر إلى الله والاستنجاد به في كشف الضر ورفع المرض.
- كما ثبت عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال لثابت البناني رحمه الله: “ألا أرقيك برقية رسول الله ﷺ؟”، فقال: بلى، فدعا له قائلاً: “اللهم رب الناس، مذهب البأس، اشف أنت الشافي، لا شافي إلا أنت، شفاءً لا يغادر سقماً” رواه البخاري وهو دعاء يؤكد أن الشفاء لا يكون إلا بإذن الله.
- ورُوي عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي ﷺ زاره عندما مرض وقال له: “اللهم اشف سعداً اللهم اشف سعداً، اللهم اشف سعداً” رواه مسلم وهو دعاء يدل على فضل التضرع لله وتكرار الدعاء لطلب الشفاء والعافية.
- وعن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه أنه اشتكى من ألم في جسده للنبي ﷺ، فأرشده النبي إلى وضع يده على الموضع الذي يؤلمه ثم يقول: “بسم الله” ثلاث مرات، ثم يقول سبع مرات: “أعوذ بعزّة الله وقدرته من شرّ ما أجد وأحاذر” رواه مسلم وهذا الدعاء استشفاء بالله واستعاذة به من الشرور والأوجاع.
الدعاء إلى الله لطلب الشفاء للمريض
- ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “مَن عادَ مريضًا لم يَحضُرْه أجَله، فقال عنده سَبْعَ مراتٍ: أسألُ الله العظيم ربَّ العرشِ العظيم أن يَشفيكَ، إلَّا عافاه الله من ذلك المرض.” مما يؤكد أهمية الدعاء للمريض وأن الله سبحانه وتعالى برحمته وقدرته يشفي من يشاء (رواه أبو داود والترمذي).
- كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما زار أحد الأعراب وهو مريض قال له: “لا بأسَ، طَهورٌ إن شاء الله.” مما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحرص على التخفيف عن المرضى وإدخال الطمأنينة في قلوبهم من خلال الكلمة الطيبة والدعاء لهم بالشفاء (رواه البخاري).
- وقد جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن جبريل عليه السلام جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله: “يا محمد اشتكيت؟” فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً: “نعم” فقال له جبريل عليه السلام: “بسم الله أرقيك.” مما يدل على أن الرقية الشرعية تعد من الأسباب العظيمة للشفاء بإذن الله وهي سنة نبوية ثابتة.
- وعن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما أنهما سمعا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “من قال: لا إله إلا الله والله أكبر، صدقه ربه، فقال: لا إله إلا أنا وأنا أكبر وإذا قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قال الله: لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي وإذا قال: لا إله إلا الله له الملك وله الحمد، قال الله: لا إله إلا أنا لي الملك ولي الحمد وإذا قال: لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال الله: لا إله إلا أنا ولا حول ولا قوة إلا بي.” وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “من قالها في مرضه ثم مات لم تطعمه النار.” مما يبين عظيم فضل هذه الكلمات وأنها سبب للنجاة من العذاب لمن قالها موقناً بها (رواه الترمذي وقال: حديث حسن).
التحلي بالصبر عند مواجهة ابتلاء المرض
قبل التطرق إلى دعاء الشفاء من المرض، من الضروري الحديث عن بعض الوسائل التي تساعد المسلم على الثبات عند الابتلاء لا سيما إذا كان الابتلاء مرضًا، فالصبر في مثل هذه الحالات له أجر عظيم وهو مرتبط بحكمة إلهية لا يدركها إلا من يؤمن بقضاء الله وقدره ومن أبرز الطرق التي تُعين الإنسان على تحمل المرض والتعامل مع الابتلاء برضا:
الاستعانة بقوة الإيمان في مواجهة التحديات
الاعتماد على قوة الإيمان عند مواجهة التحديات هو الركيزة التي يستند إليها الإنسان لتجاوز العقبات التي تعترض طريقه فالمؤمن يدرك أن المرض وغيره من الابتلاءات ما هي إلا اختبارات من رب العالمين والتي تجعل صبره واحتسابه مفتاحًا لنيل الأجر والثواب فقد أخبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم أن أشد الناس ابتلاءً هم الأنبياء ثم الصالحون ومن وعي الإنسان بهذه الحقيقة ينبع الرضا واليقين بأن كل بلاء يصيبه يحمل في طياته حكمة إلهية ومن القصص التي وردت في هذا الشأن ما جاء عن رجل سأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن معنى الأسقام فأجابه الرسول بأن المرض يكون سببًا في تكفير الذنوب فقال الرجل إنه لم يصب بأي مرض من قبل فرد عليه الرسول عليه الصلاة والسلام قائلًا قم عنا فلست بمؤمن وهو ما يؤكد أن الابتلاء علامة من علامات الإيمان فكلما زادت المحن على العبد دل ذلك على محبة الله له وتطهيره من ذنوبه كما جاء في الحديث الشريف (ما يزال البلاء بالعبد في نفسه وماله وأهله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة) لذا فإن المسلم عندما يحظى بنعم الله يجب عليه أن يشكره لأن الشكر سبب من أسباب رضا الله سبحانه وتعالى وعلى الجانب الآخر حين ينزل به ابتلاء كمرض أو غيره فهو وسيلة للتكفير عن الذنوب والخطايا حيث يشمله الله برحمته ويخفف عنه بما يمر به.
- التأمل في حال الأنبياء والرسل.
من الأمور التي ينبغي على المسلم أن يفكر فيها ويتدبرها كيف كان حال الأنبياء والرسل عند مواجهة الابتلاءات بالصبر والثبات دون أن يضعف إيمانهم أو تتزحزح ثقتهم بالله خذ على سبيل المثال قصة نبي الله أيوب عليه السلام الذي أصابه المرض وفقد ماله وأهله وابتعد عنه أقرب الناس لكنه لم يجزع أو يتذمر بل ظل متمسكًا بعبادته وقريبًا من الله وكانت ثقته بربه ثابتة لم تتزعزع وعندما أكرمه الله بعد صبره رُدَّت إليه عافيته ورُزق بالأهل والمال من جديد مما يدل على أن الصبر عاقبته خير وثوابه غير محدود كما قال الله تعالى في كتابه الكريم (إنما يُوفَّى الصابرون أجرهم بغير حساب).
المداومة على الصلاة وذكر الله
الحرص على الصَّلاة والإكثار من ذكر الله يُعَدُّ من العوامل التي تمنح الإنسان قدرة على التحمُّل أثناء المرض إذ تمنحه قوة إيمانية تُعمِّق ارتباطه بالله عزَّ وجلّ مما ينعكس إيجابيًا على حالته النفسية فيُخفِّف عنه وطأة الإحساس بالضعف أو اليأس فحين ينشغل العبد بعبادة ربه ويكون لسانه عامرًا بذكره يمتلئ قلبه بالراحة والطمأنينة التي تمنحه الصبر وتُساعده على تخطِّي فترات المرض بروح ملؤها الأمل والتفاؤل دون أن يستسلم للمشاعر السلبية التي قد تُفضي به إلى الضيق والقنوط والتصرفات التي قد تضرُّه أكثر مما تنفعه وإلى جانب ذلك فإن ذكر الله وإقامة الصلاة يرفعان من شأن العبد عند ربه ويكونان سببًا في محو الذنوب وجلب البركة لحياته.